القرار الملكي الكريم الذي صدر يوم الثلاثاء 6-6-1434هـ بمنح كل مواطن محتاج إلى السكن أرضاً وقرضاً، وتحويل الأراضي المعدة للمنح التابعة لوزارة البلديات والشؤون القروية إلى وزارة الإسكان جاء ليخرج بهذا الموضوع المتأزم من الحيرة والتعثر وعدم الاكتمال وضعف تحقيق الهدف لسوء التنفيذ من قبل أمانات وبلديات المدن - مع الأسف - خلال السنوات الطويلة الماضية التي تولت فيها وزارة البلديات عن طريق أماناتها وبلدياتها هذه المسؤولية الجسيمة التي تمس حياة المواطنين واستقرارهم النفسي والمعيشي.
وليسمح لي صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور منصور بن متعب وزير البلديات والشؤون القروية - وهو الأمير الذي يتمتع بتواضع جم وشفافية عالية - أن أصارحه بأن حديثه يوم الأربعاء الماضي لم يكن دقيقاً كل الدقة؛ بل كان مجاملاً ودبلوماسياً جداً؛ حين استقبل معالي وزير الإسكان د. شويش بن سعود الضويحي وتحدث في اللقاء الذي نشرته الصحف عن تحمل وزارة البلديات هذه المسؤولية طوال العقود الماضية، حيث قال: «إن وزارة الشؤون البلدية والقروية تحملت طوال العقود الماضية مسؤولية تطوير الأراضي الحكومية ومخططات المنح وتوزيعها قبل استحداث وزارة الإسكان والتي أصبحت صاحبة الاختصاص الأصيل في توفير الأراضي السكنية وإنشاء المساكن وتنفيذ مشروعات البنى الأساسية لمخططات المنح « انتهى.
والحق أن الوزارة يا سمو الأمير منذ عقود وليس في عهدك فقط لم تتجه الاتجاه الصحيح الذي يحقق آمال من يصدر له أمر بمنحة من الديوان الملكي أو من وزارة البلديات نفسها؛ فقد دأبت الوزارة طوال تاريخ تصديها مسؤولية تطبيق المنح على أن تعتمد مخططات خارج المدن لشح الأراضي داخلها؛ إلا في حالات قليلة لمن كان حظه طيباً وتم اختيار المساحة التي أمر له بتطبيقها داخل المدينة، فتأتي الوزارة إلى مساحات كبيرة خارج المدينة بعشرات الكيلو مترات وتوكل أمر تخطيطها لمهندس استشاري يدفع المواطن تكلفة تخطيط منحته من حر ماله؛ وحين يأتي فرحاً مبتهجاً ينتظر إعلان القرعة بين مئات المواطنين المأمور لهم بمنح أراضٍ ويستلم الوثيقة ويسرع إلى الموقع الحلم الذي تم اختياره بعد دراسة وتفحص وتخطيط من قبل الأمانة يجد نفسه بين وديان وهضاب وشعاب وصخور، لا حس فيها ولا خبر لطير أو بشر، ولا يصل إليها طريق معبد، ولا يجد فيها ما عبرت عنه الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، يجدها - يا سمو الأمير - نائية المسير إليها سفر والطريق إليها خطر؛ فلا أعمدة كهرباء تنتصب، ولا أسلاك هاتف تمتد، ولا أنابيب صرف صحي تشق تربتها البكر، ولا تتلوى بين هضابها وشعابها طرق معبدة وأرصفة أنيقة، ولا تتناثر بين مربعاتها علامات أولى ومؤشرات مبشرات لإنشاء مرافق تخدم هذا الحي الجديد المزمع إنشاؤه والذي سيكون بعد سنوات نواة لضاحية ممتدة متصلة بالمدينة؛ من مدارس أو مساجد أو مراكز صحية وغيرها مما هو ضرورة لأي حي جديد ناشئ!
فما هو ذلك الجهد - يا سمو الأمير - الذي بذلته وزارة البلديات والشؤون القروية لتحقيق الغايات النبيلة من أوامر المنح الملكية التي يأمر بها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لأبنائه المواطنين على مستوياتهم كافة من أكاديميين وغيرهم؟!
لقد كان ضعف التنفيذ وسوء التخطيط وعدم قدرة الوزارة على تملك مساحات مناسبة للسكن داخل المدن أو قريبة منها قرباً مقبولاً وعدم سعيها الجاد إلى عدم تسليم المخططات الممنوحة إلا بعد اكتمال بنيتها التحتية من الخدمات كافة؛ كان ذلك كله سبباً - مع عوامل أخرى عديدة - لنشوء وتضخم وتعقد وتأزم مشكلة الإسكان وتصاعد أسعار الأراضي المناسبة للسكن تصاعداً لا يمكن أن يقدر عليه حتى ذووا الدخل المرتفع في الأراضي القريبة المحيطة بالمدن.
كيف يمكن أن يدعي مواطن أنه يملك أرضاً مناسبة للبناء وهو مرمي خارج المدينة بأكثر من خمسين كيلومتراً؟! وهل يصح له أن يدعي أنه اطمأن على تأمين اللبنة الأولى لتأسيس أسرة مستقرة آمنة غير قلقة من مطاردة قسط تملك أو حلول موعد تسديد أجار؟!
ليس لنا بد من أن نكون شفافين وصرحاء بالقدر الذي ندين فيه بالولاء لقيادتنا والمحبة لوطننا والتقدير لما بُذل من جهد في هذا الشأن من جميع الإدارات الحكومية المتصلة بموضوع المنح وتوفير سكن للمواطنين؛ بأن ذلك الجهد كله في السنوات التي مضت لم يحقق الغرض المأمول إلا بقدر ضئيل جداً، وأن الأمر الملكي الكريم الذي أحال هذا الموضوع برمته إلى وزارة الإسكان بحكم الاختصاص جاء ليحل هذا الإشكال وليخلص وزارة البلديات والشؤون القروية من تعثرها وإخفاقها في تهيئة وتجهيز المخططات السكنية للمواطنين، بحيث لا تمنح قطعة في أي موقع إلا بعد استكمال تأسيس كل البنى التحتية اللازمة مع تسهيل الإجراءات لحصول المواطن على قرض كاف لبناء سكنه.
لقد تفوقت شركات عقارية ومسوقون لمخططات تجارية على وزارة البلديات؛ فلم يكونوا يعرضون مخططاً للبيع - في الغالب - إلا بعد السفلتة والإنارة والرصف والتشجير؛ بينما لا يهتدي الممنوح من الأمانات إلى قطعته إلا بعد امتطاء سيارة من نوع جيب قادرة على مقاومة وعورة الطريق والخروج من مستنقعات الرمال ودفع مائة ريال لصاحب أية صندقة عقارية جاهزة نصبها صاحبها لاصطياد اليائسين ممن يعرضون منحتهم للبيع بأبخس الأثمان وبما لا يمكن أن يشتري لهم ثمنها ولو متراً واحداً في موقع صالح للسكن!
في الجزء الثاني يوم الاثنين سأتلمس أثر هذا القرار الحكيم على أسعار الأراضي، وهل ستنهار- كما يشاع - أم ستحافظ على مستوياتها الآن، أم سترتفع؟
moh.alowain@gmail.commALowein@