ان لم يذكر التاريخ لنا إلا القليل من الطغاة الذين اعتدوا ونفذوا مبدأ (أنا أولاً والطوفان من بعدي) لم يكن نيرون وحده الذي حرق روما وظل يتفرج عليها بعد أن فقد السيطرة على حكمه، فهناك العديد من الطغاة الذين دمروا بلدانهم وقتلوا شعوبهم من أجل أن يبقوا حكاماً متسلطين يسومون شعوبهم العذاب، فإذا تحرك الشعب فلا يترددون بقتل أكبر عدد من المواطنين الذين يفترض بهم أن يعملوا على خدمتهم فضلاً عن حمايتهم، إلا أنهم أبعد من ذلك، يحرقون بلدانهم وليس حرق مدينة أو عاصمة كما فعل نيرون بروما، فرئيس النظام السوري بشار الأسد لا يسعى إلى حرق دمشق، بل قام فعلاً بحرق حمص ودير الزور وحلب وإدلب ودرعا والعديد من مدن ريف دمشق وريف حمص وحلب وكل مدينة سورية تصل إليها صواريخه وقذائفه.
بشار الأسد خسر تقريباً كل شيء، ويريد أن يشرك الآخرين في هذه الخسارة، إذ يعمل أن تعم الخسارة عموم سوريا وأن تشمل الخسارة أيضاً كل جيران سوريا، لم يخف محاولاته ايصال الحريق إلى تركيا ومن ثم إلى لبنان وها هو يهدد إلى أن يشمل الأردن وأن ينقل حريق سوريا إلى أراضيها.
الأمريكيون كما نقل الأستاذ عماد الدين أديب لديهم قول جيد، إذ يرددون (عليك أن تخشى بشدة من ليس لديه ما يخسره).
وبشار الأسد خسر كل أوراقه وقوته وأدواته، وحتى القيم التي تمنعه من الذهاب إلى أبعد من ذلك، فمن يدمر مدنه ويحرق وطنه ويقتل شعبه، لن يتردد من اشعال الحرائق في دول الجوار، وهو إن عجز في تحقيق ذلك في تركيا بسبب قوة الجيش التركي وتحالفات تركيا الدولية كونها عضواً في حلف الناتو، وهو ان نجح جزئياً في لبنان بسبب امتدادات النفوذ السوري والايراني في لبنان، وورط مقاتلي حزب حسن نصر الله، الذين أشعلوا منطقة الحدود السورية اللبنانية التي تشهد اختراقات بسبب مشاركة مقاتلين من حزب حسن نصر الله وجنود من الحرس الثوري الايراني، مما جعل لبنان متورطاً في الأزمة السورية على الأقل من قبل طائفة من اللبنانيين ليس في صالح وليس من مصلحة بلدها لبنان ان تتورط في هذه الأزمة، خاصة وأنها عملية خاسرة ولا تخدم وطنهم لبنان إذا كانوا يعتبروا لبنان وطنهم.
أما محاولة جر الأردن إلى أتون الحريق السوري فإن مآلها الفشل لاختلاف الحالة في الأردن عن الوضع في لبنان، فالأردن يمتلك جيشا قويا مدربا احترافيا، وجبهته الداخلية محصنة وغير مخترق من قبل عملاء بشار الأسد والايرانيين، ولذلك فإن الحريق الذي يهدد به بشار الأسد الأردن تهديد لا قيمة له ولا معنى له سوى الكشف عن تأزم وضع نظام بشار الأسد، وأنه وصل إلى مرحلة اليأس الذي ينبئ بقرب نهاية كابوس الشعب السوري.
jaser@al-jazirah.com.sa