تماماً تغزوني الكتابة كجيش يحلُّ بساحات آهلةٍ بالسكان..
لكن الجيوشَ التي تنزل بالساحات إما مدافعة, ومهاجمة، وإما محتلَّة، فساحقةً.
أما جيوش الكتابة من أفكار.., ورؤى.., وحروف.., وكلمات.., وجُملٍ..,
فهي احتلال الغيث بلطيف نداه..
واحتواء النور بشفيف رؤاه..
ليلة البارحة يا نوارة...,
احتلت الكتابة بكلِّها أديمَ المخيلةِ..,
وسديمَ الورقة.., وفضاءَ الروح..
كنتِ أنت مداد نهرها.., وحنظة رغيفها..
بل كنتِ عُدتَّها.., وعتادها..!
جاءني منكِ سؤالٌ: ما الأشواق بعدي..؟
قلت لكِ: بهتت، بل تلاشت..!
لا شوق بعدكِ إلا للدعاء لكِ..
وأنتِ كنتِ تعلمينني مفاهيم الشوقِ..,
تُنزلينه في منازله..
قلتِ:
الشوق لله الخالق، للمثول بين يديه تعالى، لسؤاله ورجائه..,
هو غير الشوق لوجه ألفتيه.., وحبيب غاب عنكِ..,
وصديقٍ نأى..
وعلمٍ ناف.., وحلمٍ طاف..
وكتابٍ لم تنهِ بعد ورقاته التهاما.., واسترزاقا..
نعم تخيرت من الأبجدية «استرزاقا»..خصصتِ به الكتابَ..
هكذا كنتِ تقولين لي يا نوارة..,
حين أضفتِ لي بأن الكتاب الذي أقرأ.., إن لم يفدْ.., ويُمتع..,
ويضيف.., فلا رزق منه..
كل العلمِ، والفكرِ, والأدب, رزق غيمته الكتاب..
يومها يا نوارة، عرفت خفقات الشوق للقراءة..,
علمت ما للكتاب من غيث..!
البارحة، كان الشوق لكِ نوارة..
لقيَمَكِ، ولمدرستكِ أفتحها ليستزيد منها العابر, والمنيخ..!
لم يطفئه غير ذلك النور الذي نثرته مشكاة بمصباحها، من زجاجة، ككوكب دري..
هلت به فضاءات « النور» في أقدس الكتب..
فابتردتِ الروحُ...!!..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855