يتطلب قيام جامعاتنا السعودية - الحكومية منها والأهلية - بمسؤوليتها الاجتماعية على الوجه الصحيح عدة أمور رئيسة وهامة، وعلى رأسها - في نظري:
- أن تحدد الجامعة هويتها الحقيقية، وتعلن رؤيتها ودورها التنموي،، وتبين رسالتها نحو مجتمعها المحلي، وتحدد أهدافها التي تنوي القيام بها نحو المجتمع بجميع طبقاته وبكل أطيافه، ومن ثم ترسم ملامح خارطة طريقها للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف حسب ما لديها من إمكانيات وبناء على ما تستشرفه في مستقبل أعوامها من موارد وقدرات متاحة أو من المتوقع الحصول عليها.
- كما يوجب القيام بهذا الدور الوطني الهام، التعرف.. ومعرفة “المجتمع المحلي” الذي ستتوجه له الجهود، وتبذل من أجله وفي سبيل توعيته وبناء قناعاته وتغيير سلوكياته الموارد المالية والإدارية والبشرية التي تمتلكها الجامعة أو يمكن لها جلبها والحصول عليها سواء عن طريق الاستقطاب والتعاقد أو من خلال الاتفاقيات والعقود والاستشارات الداخلية أو الخارجية.
- وبعد هذا وذاك تأتي مرحلة البحث في الآليات والكيفية، وكذا ترتيب الأولويات، وتحديد المهارات المطلوبة للوصول إلى الأهداف المجتمعية المرغوبة.
- وفي المرحلة الرابعة يكون “الفعل” المبني على أسس علمية وواقعية مدروسة، والذي يبرهن ويدلل ويثبتُ قيام الجامعة بمسؤوليتها الاجتماعية على الوجه الصحيح وبصورة قاطعة وفاعلة.
- أما المرحلة الأخيرة فهي “مرحلة التغذية الراجعة” والتي يوجب فيها - أهل الاختصاص - على الجامعة - محل الحديث - وجود كوادر متخصصة في الرصد والتحليل والتقييم والتقويم لمفردات وخطوات وبرامج ومشاريع التنمية الاجتماعية، وذلك من أجل دراسة الأعمال ذات البعد المجتمعي التي أنجزت خلال فترة زمنية محددة من قبل الجامعة ككيان أو حتى من بعض كوادرها الأكاديمية والإدارية بصفة شخصية، ومن ثم التوصية بالاستمرار أو التغيير أو التعزيز أو النكوص أو... وكل هذه الاحتمالات واردة في قاموس المنظرين والنقاد، إذ من المجزوم به أن لكل جامعة ظروفها وترتيب الأولويات فيها، كما أن لكل مجتمع طبيعته وتركيبته الخاصة وما قد يصلح هنا ربما لا يكون مناسباً هناك.
هذا في الإطار النظري، أما على أرض الواقع فإن جامعاتنا السعودية تتباين في هذا المضمار تبايناً كبيراً، فهناك من الجامعات من ظلت عاجزة حتى هذه اللحظة عن قيادة المجتمع، فهو الذي يقود بوصلتها ويتحكم في نوعية الخدمات التي تقدمها له الأكاديمي منها والبحثي والخدمي. وهناك من الجامعات الأم من يغلب على أعمالها ذات الصلة بهذا الموضوع “المسؤولية الاجتماعية” الجانب الإعلامي بشكل كبير، والتماس مع مفردات هذا النوع من الأعمال “الدينية - الوطنية - الإنسانية” التطوعية، تماس ضعيف التأثير، وغالباً على استحياء ومن بعيد!!، وهناك من الجامعات - خاصة الناشئة منها - من توقف بها السير عند محطتها الأولى المحددة في نظام مجلس التعليم العالي والجامعات ولوائحه، والمتعارف عليها في الأواسط والأعراف الجامعية القديم منها والحديث، مكتفية بـ”التعليم” داخل القاعات الدراسية، فأعضاء هيئة التدريس يمارسون دورهم الأكاديمي دون أن يكون لهم أدنى صلة بعالمهم الخارجي القريب منهم فضلاً عن البعيد، وحتى على افتراض أنهم جاوزوا هذه المحطة وصولاً للثانية “البحث العلمي” فإن أبحاثهم لا تمت لواقعهم المجتمعي بصلة، وللأسف الشديد، فهم الواحد منهم الترقية العلمية، وحتى لو كانت هذه الدراسة لها ارتباط قوي ومباشر بأحد مناحي الحياة في المجتمع فإن دور الجامعة يتوقف عند سرد التوصيات وعرض المقترحات، في المقابل هناك جامعات أخرى قفزت المراحل وصولاً للفعل غير المدروس والذي سرعان ما ينشأ وعلى عجل يموت!!، كسحابة صيف عابرة لا أثر لها أو تأثير.
وهذا لا يعني نفي وجود برامج جامعية متكاملة وفاعلة تضطلع بدور رئيس إزاء مجتمعاتنا المحلية سواء أكان ذلك في باب التوعية والتثقيف أو العلاج والتصحيح، وذلك من خلال الندوات والمحاضرات أو الدورات والبرامج والمشروعات والمؤتمرات، وكل هذا يصب في خانة “المسئولية الاجتماعية”. والأمثلة عندي كثير وأتمنى أن أفرد لها مقالاً مستقلاً في المستقبل القريب -بإذن الله- ولكن هذا الجهد وتلك المبادرات تفتقد غالباً إلى “الاستمرارية، والمؤسساتية، والتقويم” ولا تحقق الأمل والطموح والتطلع الرسمي والشعبي الذي هو أكبر من ذلك بكثير.
نعم هناك معوقات وتحديات وصعوبات كثيرة تضعف قدرة الجامعات السعودية على القيام بمسئوليتها الاجتماعية وعلى رأسها عدم وجود مؤسسات المجتمع المدني، وغياب القطاع الأهلي “قطاع التنمية الثالث” بشكل صحيح وفاعل، وكذا عدم استشعار أفراد المجتمع أهمية الجامعة كشريك رئيس في التنمية المجتمعية، وعلى صعيد المعوقات الداخلية كثرة الأعباء الملقاة على عاتق عضو هيئة التدريس و...
أتمنى أن يكون لخانة “خدمة المجتمع” في نموذج الترقيات العلمية / الأكاديمية شيء من الأهمية من قبل الكليات والمجالس العلمية حتى يكون لعضو هيئة التدريس دور فاعل ومؤثر في حراكنا المجتمعي ويقوم بمسئوليته الاجتماعية / الوطنية كما هو متوقع ومؤمل، ولا نحتاج حينها إلى علماء ومفكرين وأهل خبرة ودراية غربيين أو شرقيين أو... يأتون ليعرضوا لنا تجاربهم وخبراتهم، ويطرحوا أفكارهم ورؤاهم في هذا الموضوع المفصلي في حياة الأمم والشعوب “المسئولية الاجتماعية” كما هو الحال بنا اليوم مع البرنامج العلمي للمؤتمر الدولي للتعليم العالي “الرابع”، والذي اختارت له اللجنة المنظمة مشكورة موضوع “المسئولية الاجتماعية للجامعات”، فنحن بصدق “أحق به منهم” إذ إنه من مواليد ديننا، وفي ظل ثقافتنا وأعرافنا وتقاليدنا وعاداتنا نشأ وترعرع حتى شب على الطوق وبلغ أشده فرحل عن ديارنا لغيرنا، وها هو يعود لنا -بإذن الله- من جديد. دمتم بخير وعلى خير وتقبلوا صادق الود وإلى لقاء والسلام.