مع بزوغ نجم نظام ساهر توقَّع كثيرون أن النظام المروري سيتغيَّر إلى الأحسن، وأن الحوادث المرورية “القاتلة” داخل المدن ستتقلص إلى أن تتلاشى خلال سنوات قليلة، إلا أن الإحصائيات الرسمية تؤكد بالأرقام أن الحوادث في ازدياد. ووفقًا لتصريح صادر عن أحد أعضاء مجلس الشورى فإن الحوادث المرورية في العام الماضي وصلت إلى نسبة تزيد على 14 %، وأن معدل الوفيات وصل إلى 20 حالة وفاة في اليوم. ما زلتُ أكرر أن هذا العدد قد يفوق عدد حالات القتل في الحروب؛ لذا فعندما خرج نظام ساهر الصارم بالعقوبات المادية فرحنا؛ لعل حالات الموت تقلُّ، ولعل الأمهات يرتحن عند خروج أبنائهن من قلق هذه الحوادث، إلا أن ما حدث هو عدم مزامنة نظام ساهر لأي توعية مرورية، ولم يتم إيجاد أنظمة تُعلم الناس احترام بعضهم بعضاً أثناء السير، بل إنه خلال العامين الأخيرين بات من النادر رؤية رجل مرور في الشارع، ولن أبالغ إن قلت إني وأمثالي قليلي الخروج قد يمر علينا أشهر لا نرى فيها رجل مرور واحداً يقف عند إشارة، أو يحرك يديه تنظيمًا للسير!
الأدهى والأمرّ هو أن إدارة المرور لم تشرع بعد في عمل نظام يحد من قيادة “الأطفال” للسيارات؛ فهذه الشوارع تعج بصغار السن ممن يجلسون خلف مقود السيارة، ولا يكاد تظهر رؤوسهم، وتجد في الغالب بجانب أحدهم امرأة مضطرة للمغامرة بفلذة كبدها أن يخرج في شوارع الموت؛ لأن هناك ظروفًا حالت بينها وبين أن يكون لديها سائق خاص، ولأنها إنسان حر بالغ عاقل، إلا أنها ممنوعة من قيادة السيارة، فنجد كثيراً من الأسر تتساهل في منح هؤلاء الأطفال الصلاحية لقيادة حديد الموت، وسط شوارع الموت، في تطبيق لمقولة: “من حدك على المر، قال اللي أمر منه”، إضافة إلى قلة وعي بعض الأُسر بخطورة التساهل في قيادة الطفل السيارة قبل بلوغه السن القانونية وهو الثامنة عشرة!
إحدى قريباتي أتتني مستنجدة؛ إذ تروي لي حكاية ابنها ذي الخامسة عشرة، وهو يلح عليها في طلب القيادة، وأن رفضها لهذا الطلب هو تقليل من رجولته، بل قال لها صراحة: “هل أنتِ فقط الصح والناس كلها خطأ؟!”. قال لها هذه الجملة؛ لأنه يرى زملاءه في المدرسة وأقاربه، ممن هم في سنه، يقودون السيارة دون أي استهجان، فالطالب يحضر للمدرسة بسيارته، في موقف لا يقابله أي استهجان، لا من أساتذته، ولا من إدارة المدرسة؛ لأنه مشهد عادي وطبيعي، ولا يتعارض مع أنظمة المرور المتساهلة في أرواح هؤلاء الأطفال. تقول لي قريبتي: “حاولت تخويفه بالمرور، وأنه لو أمسك به أحد رجال المرور فسيتم سجنه”؛ فلم يكن من طفلها إلا أن قال بكل استهتار: “ما عليك يمه لا تخافين، إن طحت بشرطي حليل بيمشيني، وإن طحت بشرطي مهوب حليل بيعطيني مخالفة.. وكلها بسيطة!”.
هذا الموقف أستجلبه لكم لأقول: إن الأمهات والآباء مهما حاولوا تربية أبنائهم على الأنظمة والقوانين المعروفة إلا أن المجتمع والأنظمة (المتسيبة) تُفسد هذه التربية. وإدارة المرور لا ينبغي أن تظل ملتزمة الصمت حيال هذه المآسي؛ لا بد من إقرار نظام لا يتساهل مع أي طفل تحت السن القانونية يقود سيارة، وكذلك أهله يجب أن تشملهم المحاسبة؛ لأنه لا يزال قاصرًا، مع ذلك، وفي العرف الاجتماعي يولد راشدًا، وتظل أمه قاصرة مدى الحياة!
www.salmogren.net