|
الجزيرة - محمد السهلي:
حتى سنوات قريبة كان رجل الأعمال المسلم في دولة أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة إذا أراد الحصول على قرض وفق مبادئ الشريعة يتفاوض عليه سرا.
يقول فؤاد علييف أستاذ الشريعة في معهد آسيا الوسطى والقوقاز التابع لجامعة جونز هوبكنز في واشنطن إن توجس الحكومة من الإسلام السياسي دفع البنوك إلى تقديم التمويل الإسلامي سرا حيث كانت الصفقات المتوافقة مع الشريعة تتم تحت ستار النشاط المصرفي التقليدي.
أما اليوم فتقدم العديد من بنوك أذربيجان علنا مجموعة محدودة من الخدمات المتوافقة مع مبادئ الدين الإسلامي الذي يحرم الفوائد والمضاربة النقدية البحتة. وفتح أكبر بنك في البلاد وهو مملوك بحصة أغلبية للدولة نافذة للمعاملات الإسلامية تقدم التمويل للشركات الصغيرة.
لكن حكومة الدولة السوفيتية السابقة لا تزال مترددة في سن قانون ينظم الصناعة ويسمح للبنوك التجارية بتوسيع أنشطتها وإصدار سندات إسلامية.
وتأسس التمويل الإسلامي بشكله الحديث في سبعينيات القرن الماضي لخدمة المسلمين بالأساس في منطقتي الخليج وجنوب شرق آسيا. وتسارع نمو الصناعة خلال العقد الماضي مع ازدهار اقتصادات المنطقتين.
ويرى مصرفيون ومحللون أن نمو الصناعة البطيء وغير المكتمل في أذربيجان التي يدين 93 في المئة من سكانها البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة بالإسلام يعكس توجسا من أن التمويل الإسلامي قد يشجع نهوض الإسلام السياسي في البلاد.
لكن حكومة الرئيس إلهام علييف لا تستطيع تجاهل فرصة جذب رؤوس الأموال من مستثمري الخليج.
ويقول ماهر هومباتوف خبير الأنشطة المصرفية الإسلامية بمركز الدراسات الاستراتيجية في باكو «إذا تم وضع إطار تنظيمي وإدراج التمويل الإسلامي في مناهج (الجامعات المحلية) ستشهد الصناعة تطورا هائلا في أذربيجان.»
وحاول بنك صغير وحيد في البلاد طرح حزمة متكاملة من الخدمات المتوافقة مع الشريعة فسحب البنك المركزي رخصته في يناير كانون الثاني 2010 بدعوى أنه خالف قوانين البنوك وتم إغلاقه.
وتظهر استطلاعات أن نحو عشرة في المئة فقط من سكان أذربيجان يؤدون شعائر الإسلام بشكل منتظم لذلك ليس من المتوقع أن تتحول البلاد إلى دولة إسلامية محافظة في وقت قريب.
ورغم ذلك يقول علييف من معهد آسيا الوسطى والقوقاز «معظم الأنظمة في آسيا الوسطى والنظام الأذربيجاني لا تنظر للتمويل الإسلامي على أنه نشاط تجاري وإنما على أنه حراك إسلامي وبالتالي يعدونه جزءا من (الخطر الإسلامي).»
ويعمل الحزب الإسلامي في أذربيجان في إطار سري وتم حظر نشاطه في منتصف تسعينيات القرن الماضي بشبهة التجسس لحساب إيران الجارة. وصدرت أحكام قضائية العام الماضي على سبعة من أعضاء الحزب بالسجن لمدد طويلة لإدانتهم بتشكيل وحدات عسكرية والإعداد لهجمات إرهابية.
وتبدو الحكومة التي تنعم باحتياطيات وفيرة من النفط والغاز في بحر قزوين قادرة على تطويق هذا التهديد الأمني. لكنها تواجه أيضا ضغوطا اجتماعية لإفساح المجال للإسلام في الحياة العامة. فقد تظاهر العام الماضي مئات المواطنين مطالبين بحق الفتيات في ارتداء الحجاب بالمدارس.
وعطلت هذه التوترات تحول البلاد البطيء أصلا إلى التمويل الإسلامي خلال العامين الماضيين.
وبدأ عدد من بنوك البلاد توفير خيار استقبال الودائع الإسلامية التي تدر عائدا على الاستثمار في مشاريع تجارية متوافقة مع الشريعة بدلا من دفع الفائدة.
ويقدم بنك أذربيجان الدولي أكبر بنوك البلاد وهو مملوك لوزارة المالية بنسبة 50.2 في المئة خدمات تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر نافذة للمعاملات الإسلامية تسمح بفصل الأصول الإسلامية عن عملياته التقليدية.
ووقع البنك لاحقا اتفاق مرابحة سلع للحصول على تمويل بقيمة 20 مليون دولار من المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامي للتنمية. وسيستخدم بنك أذربيجان الدولي هذه الأموال في منح تمويل تجاري بصيغ إسلامية لشركات القطاع الخاص في البلاد.
الاتحاد السوفيتي
ومنذ وقت ليس بالبعيد بدأت المؤسسات المالية، التي تتخذ من الخليج مقرا لها، بضخ دماء الصرافة الإسلامية في شرايين آسيا الوسطى وهم لا يزالون يعكفون في إرساء مركز جديد لهذه الصناعه بدول الاتحاد السوفياتي المفككة.
يعتقد على نطاق واسع بأن المصرفية الإسلامية ظهرت لأول مرة في مصر في ستينيات القرن الماضي. وبفضل الطفرة النفطية في السبعينيات، ازدهرت في شبه الجزيرة العربية، وانتشرت من هناك في الشرق الأوسط وإيران وجنوب شرق آسيا.
ولكنها لم تنتشر حتى الآن على نطاق واسع في منطقة آسيا الوسطى (ويعزو المراقبون ذلك إلى أسباب تاريخية، واجتماعية ونفسية) بحسب التقرير الموسع الذي نشرته EurasiaNet
ومع هذا فقد تواجد بنك التنمية الإسلامي، وهو البنك الذي انبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات.
فقد تم تأسيس بنك التنمية الإسلامي في عام 1975 بهدف نشر النظام المصرفي الإسلامي في سائر أرجاء العالم.
وانضمت معظم دول آسيا الوسطى إلى عضوية البنك في أواسط تسعينيات القرن الماضي، بعد فترة قصيرة من استقلالها عن الاتحاد السوفيتي والانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي. وكانت قرغيزيا أول الدول المنضمة في عام 1993، وتلتها كازاخستان في عام 1995، فطاجيكستان في 1996 فتركمانستان في عام 1997.
تعتبر قازاخستان أكثر الدول المساهمة في البنك الإسلامي للتنمية من بين دول آسيا الوسطى حيث تساهم بنسبة 0.12 في المائة من رأسماله. وتسهم كل من قرغيزيا، وطاجيكستان وتركمانستان بنسبة 0.06 في المائة وأوزبكستان بنسبة 0.03 في المائة.
وبعد أن خرجت أذربيجان من تحت أنقاض الاتحاد السوفيتي قبل عقدين سارعت للانضمام إلى عضوية البنك الإسلامي للتنمية وهو مؤسسة مالية مقرها جدة. وحصل البلد على قرض من البنك تربو قيمته على 1.2 مليار دولار أنفق معظمه على مشروعات البنية التحتية.
لكن مصرفيين يقولون إنه قبل عامين من الآن لم تكن الحكومة ترغب في تأسيس صناعة مصرفية إسلامية على أراضيها.