قلت في المقالة السابقة إن العم (برابيت)، وهذا هو لقبه الدارج بين أفراد القبيلة، إنه حينما مرض أخوه اضطر لبيع حصانه الأدهم لمعالجته في بيروت، وقلنا إن (برابيت) هذا حينما يطمئن على نوم أخيه ينسل إلى مقهى قريب من المشفى ليشرب فنجان قهوة ويتأمل المارة ليس أكثر، وحيث إنه كما يقول البدو (لا عارف ولا معروف) في مدينة تضج بالحيوية حينما كانت بيروت آنذاك مدينة مليئة بالحرية والاستقطاب وموئل كل من ينشد السلامة والاستقرار، أقول قال لي (برابيت): وبينما كنت أجلس بـ»القهوة» ولم يقل المقهى وكنت حينها أتأمل الناس العابرين في حين تقدم لي فجأة «خواجة مطربش» وقال لي: لا شك إنك «عربي»، أي بدوي بلهجة أهل بلاد الشام، فقلت له: أصبت أنا كذلك: وأردف «الخواجة ذو الطربوش الأحمر»: من أي القبائل أنت «يا أبو سمرا»؟ فقلت له بكل فخر: أنا عنزي، فقال جزاه الله خيرا: لماذا لا تتفضل إلى «مضافة» أهلك؟، فقلت له: يا خواجة أنا ليس لي أحد هنا في «باروت» - أي بيروت -، فقال لي: ستجد هناك (جماعتك وقرايبينك). وأردف برابيت: إن الخواجة ذو الطربوش الأحمر سحبني من يدي وأركبني بسيارة فاخرة وكانت ذات مسجل يدوي يقول:
يا مهيرتي فوق الجبل
خيل عنزه ماتطالها
أشري لها شف حمر
تكبر وأنا خيالها
فقال برابيت: صراحة لما سمعت الأغنية أصابني الزهو والفرح ورحت «ألكد» دواسة الموتر بشكل عفوي خجلت منه فيما بعد. وبعد نصف ساعة بالضبط دخلنا مضافة كبيرة مليئة بالرجال الذين يرتدون الطرابيش الحمر والبعض الآخر يعتمرون العقال والشماغ ويلبسون «زبونا» مذهباً متعدد الأشكال، أقول ما أن جلست حتى دارت القهوة العربية السوداء ذات البن الكثيف والبهار القليل ومن ثم نهض أكبر القوم بالسن وقال لي: أنت الآن في مجلس (آل سلام) وهم عرب مثلكم وننتمي إلى قبيلة وائلية صريحة النسب ولو أن بعض النسابين أخرجونا من ذلك ونسبونا إلى عشيرة النهود من بني خالد وهذا لا يضيرنا أبداً فـ»إن لم تكن على الشداد فعلى الغارب». ثم توجه إلى (طلحية)، أي ورقة كبيرة معلقة على الحائط وراح يشرح ويتحدث عن الأنساب، ثم أشار إلى وسم في أسفل المعلقة وقال لي: هل تعرف هذا الوسم يا محمد؟. فقلت له على الفور: إنه وسم الوثرة من السبعة من قبيلة عنزة.. ونكمل لاحقاً.