خلال شهر أو أكثر بقليل، زرت الكويت ثلاث مرات، للمشاركة في ملتقيات ترتبط بعملي من جهة، أو بالرواية والثقافة من جهة أخرى، وفي كل مرة أتجوَّل فيها داخل هذه المدينة المسترخية على ضفاف الخليج، كنت أسأل نفسي، لماذا تحوَّلت الكويت من دولة تجذب الأنظار إليها من كل الدول العربية في زمن الستينيات والسبعينيات الميلادية، إلى دولة تقف باستحياء في الصفوف الخلفية، بعد دول عربية مختلفة، بل بعد دول خليجية مجاورة، فلم تعد الكويت هي التي يسافر لها أبناء شبه الجزيرة العربية بحثاً عن العلاج، أو بحثاً عن الثروة، كما كانت سابقاً، بل كأنما توقفت طويلاً في سباق التنمية، حتى تجاوزها الآخرون بمسافات واسعة!
ما الذي جعل الكويت تتراجع أمام تطوّر الإمارات وقطر مثلاً، رغم أنها تنتج أرقاماً أكبر من النفط؟ صحيح أنها تعرَّضت للغزو من نظام صدام مطلع التسعينيات، لكنها كانت قد تعثّرت خطواتها في التنمية قبل ذلك بكثير، فكيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ ما الذي يجعل جوهرة الخليج تبدو كابية وغير مضيئة، ولا يقتصر الأمر على التراجع أمام الآخرين في التطور العمراني وناطحات السحاب مثلاً، بل حتى أول واجهة لأي دولة، وهي المطار، ليظهر البون الشاسع بين مطارات دبي وأبوظبي والدوحة، وبين مطار الكويت، وقياساً على ذلك، الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، والأنشطة الخدمية وغيرها.
وقد يسأل البعض لماذا أعقد مقارنة بين الكويت وبين هاتين الدولتين الجارتين، ولا أعقدها مع البحرين وعمان مثلاً، والسبب أن جوهرة الخليج تتميّز بقدرتها الإنتاجية من النفط، كما هو شأن الإمارات مع النفط، وقطر مع الغاز. وما تعرضت له الكويت من شلل اقتصادي مزمن، سيتحول إلى أزمة كبرى فيما لو تعرضت إلى مزيد من القلاقل على المستوى الشعبي السياسي، خاصة أن الكويت هي أكثر دول الخليج، إن لم تكن أكثر الدول العربية، تجربة في العمل السياسي، وفي تكوين مؤسسات المجتمع المدني، بما يعني أنها أكثر الدول العربية قدرة على الإصلاح السياسي والاقتصادي، نظراً للشفافية التي تتمتع بها، وتمتاز عن غيرها.
وحتماً لن يتردد أكثركم في السؤال عن مقارنة هذه الجوهرة الصغيرة التي سبقت الزمن، ثم توقفت فتخطاها الزمن بخطوات جامحة، مقارنتها ببلادنا، وهو سؤال مهم، فرغم الخطوات الواسعة التي خطتها بلادنا في السبعينيات والثمانينيات الميلادية إلا أنها عاشت سنوات هدوء، وانشغال عن التنمية السريعة، لكنها عادت بقوة خلال السنوات الخمس السابقة، وتسارعت التنمية فيها، هذا إذا أردنا النظر بشكل عام، أما إذا ركّزنا على جزيئات من الصورة، فلا شك أننا سنجد أن الخدمات في قطاعات التعليم والصحة والإسكان لم تزل أقل من حلم المواطن رغم الثروات الطبيعية التي تزخر بها البلاد، معظم الأحلام الأخرى المرتبطة بتنويع مصادر دخل البلاد لم تتحقق بعد، وقد نشترك مع جوهرة الخليج الكويت في البيروقراطية، تلك البيروقراطية المعطّلة لكثير من المشروعات، وبالطبع لا تكبر البيروقراطية وتتضخم إلا مع تفشي الفساد المالي والإداري!