سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الموقر السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فتعقيبًا على مقال الأستاذ سلمان بن محمد العُمري بعموده الأسبوعي (رياض الفكر) في يوم الجمعة الموافق 17-5-1434هـ فإننا نؤيد توجه الأستاذ سلمان (ضرورة تدريب المقبلين على الزواج)، ونشيد بتجربة ماليزيا في هذا المجال، حيث وصلت نسبة الطَّلاق في ماليزيا في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين نحو 32 في المئة وهو ما اعتبرته الحكومة الماليزية - برئاسة محاضير محمد - مؤشر خطر على خطط النهضة والتنمية في البلاد، فقررت تطبيق فكرة (رخصة الزواج) كحل لتكوين ثقافة زوجية علميَّة لدى الشباب والفتيات المقبلين على الزواج.
وقامت الفكرة على أن كل متقدم للزواج لا بُدَّ أن يقدم للقاضي الشرعي شهادة من وزارة الشؤون الاجتماعيَّة تفيد بأنّه حصل على دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محدَّدة مثل: أهداف الأسرة، والتَّخْطِيط للحياة الزوجية، وفهم نفسية الزوج أو الزَّوجة، وطرق زيادة حب كل طرف للطرف الآخر، وإدارة المشكلات الأسرية، والمسؤوليات، والميزانية.. إلخ، وبعد عشرة أعوام من تطبيق التجربة انخفضت نسبة الطَّلاق إلى نحو 7 في المئة فقط، ولعل هذا يدفعنا إلى التفكير جديًا في تطبيق نفس التجربة في ظلِّ ارتفاع حاد في نسبة الطَّلاق وخصوصًا بين المتزوجين حديثًا.
ولا بُدَّ من الإشادة بقرار مجلس الوزراء، الذي نصّ على أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعيَّة - عن طريق الجمعيات الخيريَّة ومراكز التنمية الاجتماعيَّة - بإعداد وإقامة برامج ودورات توعوية للشباب والفتيات المقبلين على الزَّوَاج في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها من أجل تأهيلهم تأهيلاً شاملاً في الجوانب الشرعيَّة والصحيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة، من خلال نخبة متميزة من المدرِّبين والمدرِّبات، ويكون حضور هذه الدورات اختيارًا لطرفي عقد الزواج، ومن المعروف أن تأهيل الشباب والفتيات قبل الزَّوَاج أصبح ضرورة لضمان استقرار حياتهم الأسرية واستمرارها في ظلِّ أرقام متزايدة لحالات الطَّلاق والخلافات الأسرية، علمًا بأن هناك جهودًا بذلتها جمعيات الزَّوَاج ورعاية الأسرة بالمملكة في هذا الخصوص، حيث نظَّم اجتماع على هامش الملتقى الخامس لجمعيات الزَّوَاج بالمملكة نَظَّمته جمعية أسرتي لمناقشة هذا الموضوع مع جميع جمعيات الزَّوَاج التي أقرّت ضرورة إلزامية جميع الشباب والفتيات المقبلين على الزَّوَاج بالحصول على رخصة قيادة الأسرة، وأن إلزامية الحصول على دورات أو دبلومات معتمدة يعد جزءًا من التأهيل للشباب قبل الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحياة، فنحن نرى كثيرًا من البرامج تُعدُّ لتأهيل طلبة المدارس لدخول الجامعة، أو الإعداد لمرحلة العمل والوظيفة، لكن الزَّوَاج يُعدُّ تحصيل حاصل عند الأهل والشباب أنفسهم لأنّه أمرٌ لا بُدَّ منه.
وأهمية الدورات أو الدبلومات لتأهيل الشباب قبل الزَّوَاج تنبع من الأسباب التالية:
أولاً: إن الشباب في الغالب يستمدون ثقافتهم من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وهي بعيدة عن ثقافتنا المجتمعية أو غير واقعية فلا تصبح ملائمة لأن تكون معيارًا.
ثانيًا: يعتمد الآباء في تثقيف أبنائهم على أن تكون الأسرة نفسها هي المعيار فقط، وهذا أيضًا لا يناسب الأبناء، لأنهم خلقوا لزمان غير زمان الآباء، واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم مختلفة.
ثالثًا: التحدِّيات التي يواجهها الشباب كثيرة مثل ثقافة الاستهلاك، والجري خلف الكسب الماديّ السَّريع، والاختلاط بالأجناس المختلفة في المجتمع، مما يعني أن الأسرة لم تعد النواة ويتأخر ترتيبها في سلم الأولويات.
رابعًا: ضعف الالتزام الديني، فلم يعد تراعى توجيهات الدين في تأسيس أسرة سليمة ومتماسكة.
خامسًا: ضعف الثَّقافة الدينيَّة التي تختلط فيها الموروثات الاجتماعيَّة مع الأمور الدينية، فتصبح الأعراف المجتمعية هي مقياس الحلال والحرام وليس القرآن الكريم.
أ.د. مها بنت محمد العجمي - عميدة كلية التَّربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن