في الوقت الذي كانت الإمكانيات فيه محدودة، وفردية، إذ لم تكن الظروف كما هي عليه اليوم، يأتي - الأستاذ الدكتور - عبد العزيز بن محمد الفيصل، في مقدمة من تركوا بصماتهم الواضحة في الساحتين - الأدبية والتاريخية -، وأثرت حياة المهتمين بالعلم البهي، شاهدا عليه إنتاجه في مشهدنا المحلي، حين تميز بالموضوعية، والمنهجية، والرصانة، والنفس العلمي، - وقبل ذلك - بوجاهة موضوعاته المطروحة.
لم يكن التكريم الذي أقامته الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، بالمشاركة مع النادي الأدبي بالرياض - قبل أيام -، سوى لمسة وفاء، وإضاءة جميلة، ونقطة مفصلية من قبل القائمين على الحفل بالمحتفى به. إذ لا يمكن أن نبرهن على عمق التكريم إلا بذاتية التميز التي يستحقها أصحابها. وأحسب أن علما كـ»الفيصل»، هو عنوان الإجادة، والإنجاز، والتفوق، والتميز، الذي ترك أثره لمدة طويلة، بسبب جهده العلمي، والذي تميز بطيف واسع من المعرفة، ومثّل كنزا ثريا من المعلومات.
في كلمته: «الأدب، والتاريخ، يلتقيان في الشعر الجاهلي»، ابتدأ الفيصل أمسيته التي لامست الأعماق، بعد أن توسد أمهات الكتب، واهتم بنوعين من البحث، أحدهما: ما يتصل بالأدب، والآخر: ما يتصل بالتاريخ. فلا تملك - حينئذ - إلا أن تطلع على رحب من سعة ثقافته، وعلمه. فهو أشبه بموسوعة من المعرفة، والعطاء، والنبض الحي، - خصوصا - عندما يفتح نوافذه؛ لتحريض العقل على التفكير، والاتصال على التفلت من قيد العزلة، باعتبار أن الماضي، هو الذي نستمد منه الحال، ونبني على دعائمه الراسية المستقبل - القريب والبعيد -.
كان، ولا يزال على تواصل مع القلم، - وفي كل مرة - كان يحمل في ذهنه مشروع مؤلف جديد، حتى بلغت مؤلفاته نحوا من عشرين مؤلفا في الأدب، والتاريخ. فهو الذي اختار هذين التخصصين طريقا لدنياه، لِما أتاح الله له من فسحة في مجالهما.
في وصفه يجوز القول: إن «الفيصل» وصل إلى آفاق بعيدة، نقل بها شهرة الأماكن التي تحدث عنها؛ لأنه عشقها، وتوغل في اللغة حين أصبحت في صلب اهتماماته إرادة، وطموحا، وتنظيما، ومتابعة، وهو ما يشعرك عند قراءة ما كتبه بدرجة مستوى العلمية، والحرص على اللغة، ودقته في تناول مسائل أبحاثه، ورؤاه، وأفكاره.
إن علماء هذه البلاد، ومثقفيها، هم الثروة الحقيقية لها، بسبب ما قدموا من خلاصة أفكارهم، ورؤاهم في سبيل الرقي بقيمة العلم. وكلما عظمت أنفسهم، عظمت مواهبهم، وقدراتهم، كونهم رموزا لكل قيمة علمية، وعملية، وخلقية، فنفذوا إلى القلوب، والعقول.
يبقى لنا أن نحيي ضيف الأمسية على جهوده العلمية الرصينة؛ لنقول له: إن شهادة تقديرك من محبيك، أوفى من كل الأوسمة المنسية. ومع هذا فإننا نأمل: أن يحظى تكريمك في حياتك على مستوى الدولة، - خصوصا - وأن مجالات جوائز الدولة التقديرية أوسع مما نظن، وولاة أمرنا - حفظهم الله -، هم من يشجعون على التكريم في مثل هذه التخصصات؛ تقديرا لأعمال المبدعين الذين خدموا الوطن، وأضافوا إلى تاريخه حصيلة مثمرة من الإبداع في مجالاتهم التي تخصصوا بها. ثم إن التكريم رغبة مستمرة، لا تصل إلى حد الاكتفاء، - لاسيما - وأن في العالم نوعين من الجوائز، أحدهما: يمثل تقديرا لقيمة الباحث.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية