لقد يشاع فترة بعد فترة من أعداء الإسلام أن الإسلام دين حقد وبطش على الآخرين، وهذه الشائعة يروج لها أعداء الإسلام باستمرار ولابد من دحر هذه الشائعة وإنكار هذا الظلم في حق الإسلام، فإن من يتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفكر صاف وعدل، يجد أن جميع الأعمال التي تبدر منه صلى الله عليه وسلم كان الأساس فيها الرحمة والرأفة، حتى ما رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على كفار قريش بعد أن نال منهم أنواعاً من العذاب حتى أجبروه على ترك وطنه فكان يردد: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، كما طلب منه أصحابه صلى الله عليه وسلم عندما انصرفوا من حصار الطائف: ادع الله على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم، مع أن أهل الطائف هم الذين ضربوه صلى الله عليه وسلم حتى أدمي قدماه، ولما طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على المشركين قال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً».
وقد غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه هذه الصفة، صفة الرحمة والرأفة لجميع خلق الله سبحانه وتعالى، وبالتالي أصبحت علاقة المسلمين بغير المسلمين علاقة البر والتعاون والعدالة بل والمصاهرة ولاسيما أهل الكتاب وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والسرايا التي بعثها صلى الله عليه وسلم هي حماية حرية نشر الدعوة بحيث لا يكرهون أحداً للدخول في الإسلام لأنه دين سلام وأمن وأمان، بل إن كلمة السلام وما تفرع عنها هي الأساس لكلمة الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هي تحية المسلمين فيما بينهم، ويردد المسلم «السلام عليكم ورحمة الله، عند نهاية كل صلاة وهذه الكلمات تشيع في نفس كل مسلم الرحمة والألفة والمحبة، كما يؤكد ذلك تكرار اسم الله سبحانه وتعالى: «اللهم أنت السلام ومنك السلام»، أن المودة والتسامح من مميزات المسلم التي تجعل قلبه يتسع لكافة خلق الله سبحانه وتعالى.
والحرب في الإسلام حرب دفاعية لصد الاعتداء، قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ} (194) سورة البقرة. لذا لم يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من حاربوه. {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (190) سورة البقرة. ويرجح رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح والسلم، قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (61) سورة الأنفال، حيث لم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم عدواً إلا مضطراً لقتاله، ولم يثبت في جميع الغزوات أن اعتدى على إحدى من القبائل إلا مضطراً لقيامها بالمخالفات، وذلك لأن الله لا يحب المعتدين؛ وقد قاد الرسول صلى الله عليه وسلم (28 غزوة) وبلغ عدد السرايا ما يقارب (60) سرية، وبتتبع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه يظهر أنها تنضوي تحت ما يسمى بالحرب العادلة، كما أنها -أي: الغزوات والسرايا- حربٌ دفاعية لا يبدأ المسلمون فيها بالاعتداء على أحد ولا يقاتلون إلا مكرهين على القتال، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُرْسِل فعلاً رحمةً للعالمين، حيث قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء، فجديرٌ بالذكر بأن حروب النبي صلى الله عليه وسلم كلها تهدف إلى حماية حرية نشرة الدعوة وتوطين أركان الإسلام، فالإسلام اشتق من اسمه السلام والسلام كما هو المعروف ضد الحرب والمتتبع لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه لا يجد بها غزوة أو سرية هجومية، بل كانت دفاعية ضد الذين جاءوا للقضاء على الدولة الإسلامية، ومع ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل معهم معاملة حسنة بعد أن هزمهم المسلمون ونصر الله رسولَه والمؤمنينَ على هؤلاء الأعداء، وذلك كما في غزوة بدر وأحد والأحزاب وفتح مكة، وقد تحقق من تلك الغزوات وغيرها سلم دائم للإنسان مهما كانت عقيدته، حيث لا يكره أي فرد على الدخول في الإسلام، وكما احترمت -الغزوات والسرايا- حياة وأملاك الأبرياء ونظراً لاحترام الإسلام النفس وكذا احترام الرسول صلى الله عليه وسلم الناس والذي تتجلى بوصيته صلى الله عليه وسلم لقادته وجنوده حيث يقول: (أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله، في سبيل الله، من كفر بالله، لاغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً) نرى أن عدد المقتولين في حروب الإسلام كلها قليلة جداً إذا ما تمت المقارنة بالحروب الأخرى ففي جميع هذه الغزوات والسرايا بلغ جميع القتلى من الجانبين (1018) قتيلاً، (ألف وثمانية عشر فقط)، وذلك لأنها حروب دفاعية لا يبدأ فيها المسلمون بالاعتداء على أحد ولا يقاتلون إلا مكرهين على القتال، كما أن التعامل مع الأسرى من قبل المسلمين تعامل راق، حيث إنهم ينفذون وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن التعامل مع الأسير حتى أن الصحابة رضوان الله عليهم يفضلون الأسرى على أنفسهم ولاسيما بالطعام وتحقيق رغباتهم. أما الحروب الأخرى مع أن أهدافها بداية أهداف شخصية وغير واضحة فإن أعداد المقتولين أعداء هائلة، حيث بلغ قتلى الحرب العالمية الأولى 1914-1918م (6.400.000) ستة ملايين وأربعمائة ألف نسمة وعدد المقتولين في الحرب العالمية الثانية 1939-1945م بلغ ما بين خمسة وثلاثين مليوناً وستين مليون نفس. وهذا التفاوت في الأعداد نظراً لعدم وجود إحصاء دقيق للأفراد (ربما لعدم أهمية الإنسان لديهم). كما أبيد ملايين البشر لنشر أيدلوجية محددة فمثلاً لنشر الماركسية في الصين فقط أزهقت ما بين 32 و61 مليون نفس، وذلك ما بين عامي 1949 و1965م. أما في الاتحاد السوفيتي فقد أبيد أكثر من 51 مليون معارض ما بين عامي 1927 و1953م ودمرت مدينة كاملة وفي لحظة واحدة وأبيد 70 ألفاً وذلك نتيجة إلقاء القنبلة الذرية في المدينتين الذين بقوا أحياءً فيهما أصبحوا أسوأ من الأموات، وفي عصر الانفجار المعرفي والثقافي وعصر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) العصر الذي حول العالم إلى قرية كونية صغيرة في هذا العصر حصدت الآلاف من الأنفس على مرأى من العالم ومسمع، حيث ذكرت التقارير أن ثلث الشعب الكمبودي قد أبيد ما بين عامي 1975 إلى 1979م من أجل التطهير الفكري، كما أزهقت عشرة آلاف نفس من البوسنيين العزل (ذكور) بما فيهم الأطفال عام 1994م خلال ثلاثة أيام فقط، وفي العراق بدأت عملية حصد الأرواح من عام 2003م ودمرت آلاف المنازل على أصحابها وبلغت نتائج هذه الحرب وما تفرع عنها مئات آلاف من الأبرياء، ومن ذلك التاريخ وحتى الآن (1434هـ) مستمرة في حصد الأنفس دون رحمة أو إنسانية.
وقد تعددت المناقب والدلائل التي تبرز رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث شملت الكل من الرجال والنساء والكبار والصغار والمسلمين، وغيرهم، وبقية الكائنات من حيوانات وغيرها، حيث تميز صلى الله عليه وسلم بأنه صبور، وحليم، ورحيم، وعفو، وكريم، وعفيف وأمين، وزاهد ومتواضع، بل كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كل خلق، وهذا ما أثبته له الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم، والرحمة من أخلاقه العظيمة صلى الله عليه وسلم، لذا يطمئن المسلمون وغيرهم بل ويأنسون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مبعث أنسهم الحب والإجلال والاطمئنان إلى سماحة نفسه ورحمته، وقد شمل عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان والحيوان والطيور.
كما أن الأرض تخضر بالغيث وتخرج زينتها بأزهارها، ووردها، ورندها في لوحة فنية رائعة، فإن الرحمة غيث في القلوب تطهرها من الحقد، والحسد، والأنانية، وتحل مكانها العدالة والمساواة والمحبة. والغيث صفة من صفات أمة محمد صلى الله عليه وسلم: (أمتي غيث لا يدرى أوله خير أم آخره).