تابعت بألم تخرصات أكاديمي يمني في برنامج حواري على إحدى الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربيَّة؛ وعجبت من قدرته على خلط الحقائق؛ وممارسة الكذب الصريح حيال الحملة الأمنيَّة الموجهة ضد مخالفي أنظمة الإقامة؛ وهبوط لُغته إلى مستويات لا تُقبَل من الأُمِّي الجاهل فكيف بالأستاذ الجامعي!.
لست بُصدد الرد على أبواق الفتنة والضلال؛ فالإصلاح عادة ما يواجه بطلقات المدافع لا تغريد الطيور؛ والمصلحة العامَّة تقتضي صم الآذان والمُضِيّ قدمًا في إصلاح سوق العمل؛ وتصحيح وضع العمالة؛ وترحيل مخالفي أنظمة الإقامة من المتسلّلين ومتخلفي الحجِّ والعمرة.
ينبغي التأكيد أولاً أنّه ليس هناك حملة أمنيَّة موجَّهة ضد جنسية محدّدة؛ بل هي إن وجدت لعموم مخالفي أنظمة الإقامة والعمل؛ ولا يمكن أن ترضى باستثناء عمالة دون أخرى بحجة الجوار؛ فالجميع سواسية أمام القانون. كما أن أمن الوطن مقدم على ما سواه؛ ولو تعارض بقاء بعض حاملي الإقامة النظاميَّة مع الأمن الوطني؛ لما سُمِحَ ببقائهم.
مشكلة مُتَصَدري المشهد الإعلامي من الإخوان العرب، وبعض إخواننا في الداخل؛ تجاهلهم الأنظمة والقوانين والحقوق السيادية حين تناولهم قضايانا الحساسة ومنها قضية المخالفين؛ فينتقدون ردود الأفعال العادلة والمتوافقة مع القوانين الدوليَّة؛ ويتجاهلون الأفعال الخاطئة التي ارتكبها مخالفو أنظمة الإقامة، ومنها، التسلَّل غير المشروع، أو البقاء بتأشيرة الحجِّ والعمرة منتهية الصلاحية ومحدَّدة الغرض؛ أو ممارسة التجارة بنظام التستر؛ إضافة إلى عدم تمييزهم بين المساهمة مدفوعة الأجر في التنمية؛ وخرق الأنظمة والقوانين؛ وكأننا مُطالبون بقبول المخالفين؛ وتحمل مُشكلاتهم مقابل (إسهاماتهم التنموية) المزعومة!. وخلطهم؛ أيضًا؛ بين التزام الحكومة برعاية مواطنيها وتوفير فرص العمل لهم؛ وبين مسؤولياتها تجاه الآخرين والعالم الخارجي؛ فالمملكة ليست مسؤولة عن رعايا الدول الأخرى؛ ولكنَّها مسؤولة عن مواطنيها؛ وحماية حقوقهم القانونية والوظيفية والأمنيَّة والاقتصاديَّة؛ وأن تسببت تلك الحماية في تقليص فرص رعايا الدول الأخرى محليًّا؛ فمسؤولية هؤلاء تتحمَّلها حكوماتهم لا الحكومة السعوديَّة. المملكة أيضًا مسؤولة عن توفير الحماية وفرصة العمل لِكُلِّ عامل أجنبي استقدِم وفق الإجراءات النظاميَّة. العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل لا تُنافس العامل السعودي فحسب، بل تنافس العامل الأجنبي؛ المتضرر الثاني من وجود العمالة السائبة؛ والمخالفة، وإن كانوا من بني جلدته. وهذا لا يعني تخلي المملكة عن مسؤولياتها الدوليَّة والإسلاميَّة والعربيَّة؛ بل يعني الفصل بين الالتزامات المشروعة وبين الحقوق الوطنيَّة السيادية الواجب احترامها؛ ومشروعية تطبيقها الأنظمة على الجميع؛ ومنهم المخالفون. فالزكاة من أركان الإسلام؛ إلا أنَّها تُعطَى للمستحق ولا تُسرق؛ فالفعل الأول واجب وحق مشروع؛ والثاني محرم، يُقام على فاعله الحد. وضيافة ابن السبيل وإكرامه حق؛ إلا أن تسلقه أسوار المنزل وبقائه فيه دون إذن جُرم، يُعاقب عليه الشارع الحنيف؛ وإكرام الجار ومساعدته حق، إلا أن تطاول الجار على جاره؛ والعبث في ممتلكاته؛ وتسلق جداره، جُرم عظيم؛ يستدعي المواجهة والعقاب. ومن هذا الباب نجد أن المملكة لم تُقصر يومًا في مساعداتها الإنسانيَّة، والتنموية ودعمها الاقتصادي لجميع الدول المحتاجة.
والتوسُّع في الاستقدام النظامي جزءٌ من المساعدة الاقتصاديَّة للدول المُصدرة للعمالة.
يُذكَرُ أن عيسى بن علي كتب للمنصور لَمَّا همّ بقتل أبي مسلم:
«إذا كنت ذا رأي فكن ذا تدبر
فإنَّ فساد الرأي أن تتعجلا»
فأجابه المنصور بكتاب جاء فيه:
«إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإنَّ فساد الرأي أن تترددا».
وقد قال الله تعالى في كتابه العظيم «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ أن اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»؛ ومعالجة وضع مخالفي أنظمة الإقامة والعمل من الأمور التي لا يُقبل فيها التردد؛ بل «الحزم، واللزم، والجزم» وأن تعالت أصوات المُغرضين ممَّن لا يُريدون الخير للسعودية. تردد الحكومة السعوديَّة؛ قبل عشر سنوات؛ في إنشاء سور الحماية على حدودنا الجنوبية؛ بعد تجييش الشارع العربي إعلاميًّا؛ كانت نتائجه كارثية؛ وها نحن نعود لتنفيذه اليوم؛ ما يعني صواب القرار؛ وخطأ التراجع. ولا نريد تكرار أخطاء الماضي؛ فالأمن الوطني خط أحمر يجب أن يُحمى ويُحترم؛ ويجب أن نبذل الأسباب الكفيلة بحمايته، وأن نَصُم الآذان عن أصوات المُغرضين ممَّن لا يُريدون الخير للوطن. وكما قلت؛ فالإصلاح عادة ما يواجه بطلقات المتضررين والحاقدين، لا بتغريد الطيور؛ فمتى كان ذلك؛ فأعلم أَنّك على حق؛ وتوكل على الله؛ وأعلم «أن فساد الرأي أن تترددا».
f.albuainain@hotmail.com