يؤمن بعضُنا بقيمة الخبرة في قيادة مشروعاتنا الإدارية والثقافية، فتمتلئ سيرُ كبارها بما يوثق طولَ وعرضَ وحجمَ العمر الذي مرَّ بهم، حالِّين ومرتحلين بين مدرسةٍ وجامعةٍ ومؤسسةٍ وشركةٍ ووظيفةٍ عالية وأخرى عليا، وهو تركيمٌ مشروعٌ لواقع المنجِز والمنجَز نتمثله في حيواتنا الممتدة بمقدار ما يأذن به الله.
* هنا خط «أفقيٌ» مجردٌ يسير عليه الجميع بين لحظة الوفادة وساعة الوفاة، وهو مشتركٌ إنسانيٌ لا يختلف فيه شخصٌ عن سواه حين تتوافر لهما الظروف المعيشيةُ والعمليةُ المشابهة، غير أنه لا يعني شيئًا في مواجهة الخط «الرأسي» الذي يختصر المسافات، فيتفوق فتى العشرين على شيخ السبعين بما يمتلكه من مهاراتٍ خاصةٍ وما تحمله نفسُه من وعي وبدنُه من سعي، وفي الضفة المقابلة قد يراكم السبعينيُّ بناءً علويًا يجعل الشباب لا يطاولون سماءاتِه.
* يبقى الرقم دلالةً مجردةً، وقد نغفل عن قيمة الخط الرأسي في قراءة ذواتنا فنتكئ على الخط الأفقي وحده، وهو لن يضيف كثيرًا، كما لن يميز رقمًا عن أرقامٍ كثيرةٍ حوله ممن قد يتخطونه بما يتواضع عليه المجتمعُ من ضوابطَ وأعراف تتداخل فيها عوامل الإرث والثروة والحظ والسلطة والقدرة على المقامرة والمغامرة ضمن دائرةِ الحِراك المعتاد والمتجاوز خلال رحلة العمر.
* ولو رسم واحدُنا لحياته خطين أفقيًا ورأسيًا يلتقيان في نقطة الصفر «الولادة» ويمتدان باتجاهيهما لرأينا من يواصل المشيَ على الخط الأفقي ذاته حتى يبلغ نقطة النهاية التي هو فيها وإلى أن يدركه الأجل فتغدو قيمته «صفريةً» أو قريبًا منها ممثلةً الخبرة الأفقية النمطية التي لا تضيف غير تقارب الخطو وكثرة المحو وتغذية الأرصدة المؤقتة من مالٍ ومنصب كمن ابتدأ سكرتيرًا وانتهى مديرًا وكان مدينًا فأصبح دائنًا.
* ويقابل أولاءِ آخرون يتجاوزون النمطية الأفقية إلى العلوِّ الرأسي، فيبدو الشاب الصغير محلقًا فوق هامات من سبقوه منافذَ ونفوذًا ويعادل عامٌ واحد في حياته أعوامًا لدى آخرين، ونستعيد من العصور نماذج مبدعةً لمن رحلوا صغارًا فبقُوا، وشيوخًا عُمِّروا طويلاً فنُسُوا، وبذا صار نص «الشابيِّ» الذي مات عشرينيًا شعارًا تغييريًا، كما اصطفَّ «طرفة» بجانب «زهير» في الذاكرة الشعرية بالرغم من العقود التي فرقت عمريهما.
* وإذ تشير دراساتٌ إلى أهمية الأعوام الأولى من عمر الإنسان، ويؤكد بعضها على أن ذروة الإبداع تتحقق في سن «الرابعة» فإن ما يُخشى هو تضافر العوامل المُحْبطة والمُثبِّطة التي تهبط بالطفل من تحليقه إلى نقطة «الصفر» لينضم إلى المسيرة الأفقية الرتيبة.
* تبدأ التداخلاتُ في حياة الطفل والتدخلاتُ في مسيرة الشاب فلا يبدوان قادرين على تحقيق شروط التفاعل مع الرسم البياني «الهيستوغرامي» في الصعود رأسًا بدلاً من الامتداد جانبًا، ويتحول ذلك إلى معضلة حين يكبران وينضمان إلى قوائم الزاحفين دون أن يجربوا الارتقاء ويعتمروا الرقيَّ فيخلد ذكرهم مقرونًا بشكرهم.
* العمر أفقٌ ونفق.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon