حائل - خاص الجزيرة:
حذَّر إمام وخطيب جامع الخلف بمدينة حائل الشيخ عبيد بن عساف الطوياوي من الآثار الخطيرة الناجمة عن تجمع أو تكتل مجموعة من الناس على أمر لم يأمر الإسلام بالاجتماع عليه، ويكون ولاؤهم وبراؤهم ومحبتهم وبغضهم من أجله، واصفاً هذا التجمع أو التكتل بـ (التعصب)، واعتبره داء من الأدواء الخطيرة، التي أصيبت بها الأمة، وتسببت في إضعاف شوكتها، وأدت إلى تمزيق وحدتها، ونقض بناء عزتها، مشيراً إلى أن من مخاطر هذا التعصب أن المنتمين إليه يزنون تعاملاتهم مع الآخرين بميزانه، وليس بميزان {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وشعور هؤلاء الناس بأنهم أفضل من غيرهم، وأنهم هم أهل المكانة الرفيعة، والمنزلة السامية، والشأن العظيم، وأن غيرهم شأنه الكره والبغض والاحتقار، وأنه لا قيمة له ولا اعتبار.
جاء ذلك في حديث فضيلته لـ»الجزيرة» عن التعصب، ضارباً أمثلة كثيرة للتعصب في المجتمع، منها: التعصب للقبائل والأنساب، والتعصب للجماعات والأحزاب، والتعصب للمذاهب والجنسيات والبلدان، واللهجات والأندية والأحياء والألوان.. مؤكداً أن التعصب ظاهرة اجتماعية سيئة، تسببت في تفريق الكلمة، وإضعاف الشوكة، وتقويض البناء، وتمزيق جسد الأمة؛ ولذلك حذر الله منه، ونهى عنه، فقال تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقال عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا}، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ الطَّاعَةَ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةٍ، وَمَنْ خَرَجَ تَحْتَ رَايَةٍ عَصَبِيَّةً، يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، أَوْ ينصر عَصَبِيَّةً، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ، فَقَتْلُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لاَ يُحَاشَ مِنْ مُؤْمِنٍ، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ».
وأردف فضيلته يقول: إن التعصب أمر يجب الحذر منه، والذي يريد وجه الله والدار الآخرة لا يتعصب إلا لأمر الله - عز وجل - ونهيه، ولا يتكتل إلا مع من تمسك بكتاب الله - عز وجل - وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا يوالي ولا يعادي إلا من أجل سبيل الله - عز وجل - ودينه، ففي الحديث الصحيح يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ تَلاَ:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فسبيل الله - عز وجل - واحد، هو الذي يوالَى من أجله، ويعادَى من أجله، ويقرب من أجله، ويبعد من أجله، ويقبل من أجله، ويرفض من أجله، ويقدم من أجله، ويؤخر من أجله، فلنتق الله أحبتي في الله، ولنحذر التعصب أو التكتل من أجل مظاهر زائفة، أو مناهج مخالفة، أو سبل متفرقة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.
وأعاد فضيلته التأكيد على أن التعصب هو سبب تفرق المسلمين، الذي أودى بعزة أمتهم، وأدى إلى هوان دولتهم، وذهاب ريحهم الذي حذر الله منه بقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. فيجب علينا أن نربأ بأنفسنا عما يكون سبباً في تفرقنا، ولنحرص على ما يؤلف بين قلوبنا، ألا وهو الإيمان، تلك النعمة العظيمة، والمنة الكريمة، التي فيها نجاتنا بالدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ولنكن إخواناً - أيها الإخوة - كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُه»، فالتفرق أمر خطير، ولا أدل على خطورته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ».