التاريخ ليس بالضرورة أن يكون صادقاً أو يكون كاذباً، لكن ما يصل إلينا هو ما يمكننا النظر فيه وأخذه كما هو دون تمحيص قد لا يمثّل الحقيقة، كما أن تحليله مع رأي مسبق ربما لا يوصل إلى الواقع، ولذا فيمكن القول إن المؤرّخ عندما يكتب لا يخلو من المؤثّرات النفسية والسياسية والاجتماعية، إضافة إلى تأثير انتمائه الإيماني والمذهبي وربما أطماعه الشخصية في الوصول إلى المال أو الجاه، وهو في هذا ليس متجرداً من تلك العوامل ذات التأثير الفاعل عليه وعلى ما يكتبه.
من هذا المنطلق فقد يسير المحلِّل في العصر اللاحق لتلك الحقبة التاريخية وكتابها، قد يكون ذاته متأثراً بتلك العوامل التي أثرت فيمن كتب ذلك التاريخ، سواء بالتوافق أو التناقض معه. ولهذا فقد نجد من المحللين والنقاد كثيراً من الاختلال عند النظر في مسألة واحدة. وسيظل الإنسان إنساناً غير مجرد من الميول والأهواء مهما حاول النأي بنفسه عن الهوى، وهو كذلك في كل أحواله إلاّ ما شاء الله.
وزائدة الأندلسية اختلف عندها المحلّلون الذين قرأوا عنها في العصور اللاحقة، والقصة كما ترويها المصادر النصرانية تقول إن المعتمد بن عباد كانت له ابنة غاية في الجمال والحسن والبهاء تُسمى “زائدة” وأنه عند محاصرة المرابطين له، وهم مسلمون أتقياء في بادئ أمرهم، قد أهدى ابنته زائدة إلى ألفونسو ملك النصارى، وطلب منه المساعدة في رد الجيش المرابطين المسلم الذي قدم إلى الأندلس لإنقاذها من السقوط في أيدي النصارى بعد أن رأى المرابطون استهتار حكام الطوائف ومنهم المعتمد بن عباد، وتقول الرواية إنها قد أنجبت من ألفونسو ملك النصارى ابناً اسمه سانشو، وتوفيت بعد ولادته مباشرة، وأن ذلك الابن شب وكبر، وأرسله والده وهو صبي على رأس جيش لمحاربة المرابطين وذلك لشد أزر الجيش القشتالي النصراني، لكن الابن قُتل وهُزم الجيش، وذلك في عام 505هـ الموافق 1108م، وتوفي ألفونسو حزناً وكمداً على موت ابنه، وخسارة جيشه.
وتقول الرواية إن المعتمد قد تنازل عن كثير من الحصون لألفونسو إضافة إلى تزويجه بابنته له، طمعاً في البقاء على كرسي وثير أطول مدة ممكنة، في بقعة من أرض الأندلس الإسلامية مع علمه أن ألفونسو ليس له هم سوى إسقاط الدويلات الإسلامية جميعها، وطرد المسلمين، وهو ما تم في عصور لاحقة على يد فرناندو وايزابلا، لكن ذلك المقام لم يدم، حيث سقط في يد المرابطين واقتيد إلى مدينة أغمات في المغرب ليسجن حتى يتوفاه الله.
وهناك رواية تقول إنها لم تكن سوى زوجة للفتح بن المعتمد بن عباد الملقب بالمأمون، والذي كان حاكماً لقرطبة من قبل أبيه القابع في اشبيليا، وأن الفتح بعد أن رأى سقوط قرطبة لا محالة أرسل زوجته ذات الجمال الأخاذ مع أولاده وعدد من الفرسان إلى حصن المدور، ثم التجأوا إلى حماية ألفونسو وأنه بعد أن نظر إليها ألفونسو أعجبه حسنها فتزوجها بعد أن تنصَّرت هي ومن معها.
الحقيقة لا يعلمها إلاّ الله، لكن هناك من المحلّلين للتاريخ الأندلسي والساردين له مثل الأستاذ عبد الله عنان لا يقبلون مثل هذه الروايات معتمدين على أن المعتمد لا يمكن أن تصل به الأمور إلى مثل هذا الفعل الشنيئ، الذي لا يتفق مع القيم العربية والإسلامية، حتى وإن كان المعتمد بن عباد بعيداً عن تلك القيم، وهو الذي عطَّل صلوات الجمع إرضاء لزوجته اعتماد الرميكية، كما أن المصادر الإسلامية لم تذكر شيئاً من التفصيل تلك الرواية، وإن كان قد ورد شيء من ذلك في كتاب (البيان المُغْرِب) لابن عذارى، والونشريشي في فتاواه. وفيما يبدو أن المؤرّخين المسلمين لم يوردوا هذه القصة بتفاصيلها لأنها وصمة عار في جبين المعتمد بن عباد، ولذا فإن تجاوزها على رأيهم أفضل من إيرادها، كما يفعل المؤرّخون النصارى فيما يتعلَّق بالأمور المشينة بحكامهم.
إنها قصة نسج حولها الكثير من الخيال وسيظل المحلّلون يتفحصون كنهها، ويدلون بدلائهم طبقاً لميولهم وأهوائهم، وسيظل ذلك سائداً حول زائدة أو غيرها.