مجري بن ذيبان من أمراء آل روق من قحطان معروف بالكرم والشجاعة وله ثمانية أولاد فرسان وهو تاسعهم لكل واحد منهم فرس، ولفرط شجاعتهم يختارون المراعي الصالحة لإبلهم وإن بعدت عن العرب.
وذات مرة رحل بأولاده وإبلهم إلى المهمل بالربع الخالي جنوب المملكة رغم عذل ابن عم له اسمه منيف خشي عليه وعلى إبله من الأعداء لقلتهم وبعد المكان.
ولقد نزل مجري بمكان قرب عقرات من جهة بيشة منعزل لا حنيس فيه ولا أنيس، فلما استقروا أراد أن يذهب إلى معالجة جرح فيه قديم أصيب به في إحدى المعارك، فأخذ أحد أولاده وأوصى ابنه سحمي أكبر أولاده بأن يدور على الإبل في كل يوم خيالان ويكثرون الدوران والتردد حتى تكثر آثار الخيل فيرهبهم الأعداء ويظنون أنهم جمع كثير، ولم تكن إبلهم سوى ذودين. كما أوصاهم بأنه إذا أغار عليهم عدو وخلصوا إبلهم من المغير فليكتفوا بذلك ولا يوزوا العدو عند جيله (أي لا يطمعوا في جيش العدو فيزاحموا العدو عند جيشه لأن من عادة العرب أن يستميتوا عند جيشهم ويفعلوا الأفاعيل).
ولقد حصل ما توقعه والدهم فانقسموا حول إبلهم فذود يحرسه أربعة منهم وذود يحرسه ثلاثة فحموا إبلهم وخلصوها إلا أنهم طمعوا في العدو المغير وحادوهم عند جيشهم ونسوا وصية والدهم فأصيب سحمي بجرح وقتلت فرسه، وقتل فرسان لإخوانه وكان الإخوة قبل ذلك قد أخذوا من العدو إبلاً وقلائع (1)، فلما عاد الأب وابنه رأيا من بعد ناراً كبيرة عند بيت الأبناء فقال الأب: إما أن يكون عندهم ضيوف، وإما أن يكون بينهم جريح يملونه بالملَّة وهو الرماد والرمل الحار من وهج النار، فكان توقعه الأخير هو الصواب فلما رأى الأولاد سالمين غانمين بما فيهم ابنه الكبير سحمي تذكر عذل ابن عمه منيف فقال:
يا راكبٍ حمرا من الموجفاتي
ما شيف نضاخ الدبر في وبرها
تلفى منيفٍ حامي الجاذياتي
كم سابقٍ قدام ربعه عثرها
ثم اخبره حنّا رعينا عقراتي
يوم اختلط نوّارها مع زهرها
قطعاننا والربد متخالطاتي
ما بين كتمان وشوك جررها
أنا أفدى اللي طاعني في وصاتي
فكاك حسكات الوبر من شررها
فكاك ذودٍ من فحلهن خواتي
حل الصفاري مقبلاتٍ افقرها(2)
فكاكها يوم اغتشوها العداتي
بيوم تخالط عجّها مع حمرها
ليتي حضرت بزوغة المسمناتي
من فوق غوجٍ للخباره طمرها
فإن كان ما مارن ابفعلي بناتي
يا رمتي لا رحم أبو من قبرها
سعود بن بدر المقاطي
(1) القلايع: الخيل المستولى عليها من العدو.
(2) فقرها: المراد به طرح حيران الإبل بالولادة، والصفاري: أول فصل الشتاء.
- من آدابنا الشعبية: منديل بن محمد الفهيد.