أخذت عهداً على نفسي منذ سنوات أننا نقوم في افتتاح منتديات فاس بتكريم شخصيات فكرية وتنموية أسدت خدمات جليلة لوطنها وأمتها، انطلاقاً من قول الحق جل وعلا: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، وانطلاقاً من قول الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)؛
وهكذا تم تكريم الدكتور عبداللطيف يوسف الحمد في افتتاح منتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورومتوسطية، في موضوع: الشباب وتحديات العولمة، والذي جمع ألفاً من الحضور قدموا من كل بقاع الأرض، إيماناً من جيلي الذي ولد في نهاية سبعينيات القرن الماضي الاحتفاء برجال أكفاء صدقوا ما عاهدوا الله عليه وليكونوا نبراساً لنا في مسيرة حياتنا التنموية والفكرية لما فيه خدمة البلدان والعباد وتوج هذا التكريم بكتاب علمي أصدر في حقه. لقد ولد الدكتور عبداللطيف يوسف الحمد في الكويت وأمضى أيام دراسته الأولى في الكويت حيث التحق بالمدرسة القبلية حتى عام 1949 ثم مدرسة من أكثر المدارس تميزاً في الإسكندرية، وهي كلية فكتوريا التي تخرج منها عام 1956 ليلتحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حتى عام 1958، ومنها إلى الولايات المتحدة في جامعة كليرمنت، حيث حصل عام 1960 على درجة بكالوريوس للآداب والشؤون الدولية، وكان ذلك بتفوق، ثم كانت خطوته التالية لدراسات عليا في الشئون الدولية بجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي من أكثر الجامعات تميزاً إن لم تكن هي رأس هذه المجموعة من الجامعات الأمريكية على الأقل في ذلك الوقت، ثم كانت انطلاقة سيادته في خدمة العمل العام الوطني والقومي والدولي ولم ينس في هذا الخضم القيام بالعديد من الأعمال الخيرية والثقافية، كانت أولى خطوات سيادته بعد الانتهاء من دراستة العليا بجامعة هارفرد، العمل كعضو في الوفد الكويتي للأمم المتحدة أثناء تقدم الكويت بطلب الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، ثم توالت المسؤوليات والوظائف والمراكز التي شغلها، وهي كثيرة، يكفي القول أن عددها حتى الآن بلغ 56 منصباً ووظيفة ومركزاً، منها رئاسته للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والعربية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وزيراً للمالية والتخطيط في دولة الكويت، ورئيساً لمجلس محافظي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ورئيساً للجنة تخطيط التنمية للأمم المتحدة سنة 1987.
وفي المجال الأكاديمي والبحثي، فقد شغل سيادته العديدة من المناصب أذكر بعضها، عضو مجلس أمناء معهد الدراسات الاقتصادية والعالمية بواشنطن، مجلس أمناء معهد للتنمية الاقتصادية بفيينا، مجلس أمناء جامعة الكويت، مجلس أمناء معهد الأمم المتحدة للإنماء بهلسنكي بفلندا، ومجلس مؤسسة بيليور التابعة للمؤسسة الملكية السويدية للعلوم، المجلس الاستشاري لتأمين التمويل لإفريقيا التابع لمنظمة الأمم المتحدة، عضو لجنة الجنوب، عضو مجلس أمناء معهد تايلاند للتنمية والأبحاث ببانكوك، عضو اللجنة الدولية للنظام الدولي الجديد.
وفي مجال البيئة هو عضو مجلس إدارة معهد استكهولم للبيئة وأيضاً مجلس أمناء جمعية الصليب الأخضر لحماية البيئة ومجلس حماية بيئة الأرض. وعلى المستوى العالمي يشغل سيادته منصب العديد من المؤسسات منها مجلس أمناء مركز الدراسات العالمية بجامعة برينستون، مجلس أمناء المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن، المجلس الاستشاري الدولي، مجلس العلاقات الدولية بنيويورك، مجلس أمناء المجموعة لمواجهة الطوارئ الدولية، المجلس الاستشاري لمعهد الدراسات العليا والبحوث التابع لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو. أما ما يخص نشاطه في القطاع الخاص، فقد تولى سيادته مسؤولية العديد من الشركات والمؤسسات الخاصة، منها الشركة الكويتية للاستثمار والشركة الكويتية للمباني الجاهزة وأيضاً بنك الكويت المتحد في لندن الشركة العربية الدولية للاستثمار في لوكسمبورغ، كما أنه عضو في مجلس الأمناء لمؤسسة كوبروبريتي إنفيستر في نيويورك منذ عام 1975 وحتى الآن. والجدير بالذكر أيضاً أنه عضو أيضاً بمجلس الأمناء في مؤسسة الكشاف الدولية بستوكهولم منذ عام 1980 وحتى الآن.. إنها مسيرة حافلة بالمسؤوليات الجسام والمناصب المتميزة وكلها تنموية تنصب في تحقيق التنمية المستدامة والتنمية الحقيقية؛ وهذا الذي أردت أن أصل إليه في أولويات المرحلة في عالمنا العربي.
فالذي يمكن أن يكون في خطر اليوم في كل الأوطان هو إدارة الشأن العام، وهذه الإدارة تحتاج إلى مسيرين أكفاء، وإلى رجال ذوي خبرة ومكانة تجعلهم على علم بقواعد التسيير وطبائع الأمور واختلاف الأشياء وتداعياتها. وعلى إحاطة بالحاضر من الأمور ومماثلة ما بينها وبين الغائب من الوفاق أو دون ما بينها من الخلاف وتعليل المتفق منها والمختلف، خاصة وأن الظرفية الاقتصادية والجهوية والعالمية لا تحتاج إلى أدنى خطأ في أخذ القرار وترصد مكامن الخلل والزلل، ويذهل الكثير من الناس عن هذه المسألة المصيرية.
والحديث عن الشأن العام يعني الخوض في الحياة المعيشية للإنسان من مدخول وعمل وتطبيب وتدريس وتمثيليه في المجالس المنتخبة للدفاع عن مصالحه وغيرها، هنا تكون الغلبة لمن هو أهل بتحمل الأمانة ومسؤولية التسيير، فالكفؤ والنزيه والخبير هي أمور مفروضة في من يرغب في إدارة الشأن العام. والذي نراه للأسف الشديد في العديد من الأوطان أنه بدل الخوض في المعادلات الرياضية الحقيقية لتنمية المجتمعات وإخراجها من مأزق الفقر والتبعية والجهل، يوظف الناس مواضيع ثانوية تخلق الشعبوية وتحشد الجماهير وراءها، المشكل أن هذا الاتجاه بإمكانه أن يطول لسنوات بسبب آثار السلطوية العاتية، التي بدأ المجال السياسي العام يتخلص منها في مصر وتونس وليبيا. ولكن الشعوب ستدفع الثمن غالياً إذا لم تعط لتدبير الشأن العام الأولوية وكامل الأهمية، وإذا لم يجلب أناس قادرون على تحمل المسؤولية.. عار ثم عار على لجوء العقل السياسي العربي اليوم إلى مشاكل يكون المجتمع في غنى عنها، فالنضج والتطور ضرورتان عند من حمله الناس المسؤولية والذي عليه أمانة طرح القضايا الاجتماعية والاقتصادية طرحاً رياضياً صحيحاً، وأمانة التعبير عنها تعبيراً سياسياً ومطابقاً، فإذا حولت السياسة الشان العام إلى عامل تفريق فستهزم الدولة بسرعة وستبلغ الغاية من مداها وتتداعى إلى التلاشي والاضمحلال، والله وارث الأرض ومن عليها. إن التنمية هي انبثاق ونمو كل الإمكانيات والطاقات الكامنة في كيان معين بشكل كامل ومتوازن، سواء كان هذا الكيان فرداً أو جماعة أو مجتمعاً، ويرى “شرام” و”ليرنر” أن التنمية ما هي إلا تغيير قوي وكبير يحرك الأمة نحو ذلك النوع من الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي تقررها وتحددها لنفسها. وتكون بذلك التنمية وسيلة للتغيير نحو الأنماط المجتمعية التي تسمح لها، ليس فقط بتحقيق القيم الإنسانية المثلى، بل وأيضاً زيادة قدرتها على التحكم والسيطرة على نمو المجتمع. فالتنمية عملية شمولية تتكامل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي بالتالي عملية مخططة ومحكمة تحدث تغييراً جذريّاً في بناء اقتصادي قوي؛ كما تكون السياسة التنموية تعبيراً عن آراء المواطنين واستجابة لحاجياتهم؛ وتنفذ تلك التنمية موازاة مع تشريعات ضامنة وجريئة وسلطة قضائية مستقلة عن الجهازين التنفيذي والتشريعي، ومؤسسات قوية، وتفعيل مبدأ المساءلة والشفافية المطلقة والتداول السلمللسلطة من طرف أحزاب متشبعة هي نفسها بقواعد الديمقراطية وبمجتمع مدني نشيط.
قلت كل هذا الكلام من شاب ينظر إلى الماضي والحاضر والمستقبل وبنظارات إستراتيجية بحكم تخصصه في مجال الإستراتيجية والعلاقات الدولية، ولأوضح أن الدكتور عبد اللطيف هو مثال حي لهذا الواجب التنموي الذي أتحدث عنه والذي يجب أن يتحلى به كل من وضعه القدر على كرسي المسؤولية اليوم في الوطن العربي، في تونس ومصر وليبيا.