في حقبة الستينيات من القرن الماضي وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، شهد العالم صوراً من التدخل السوفيتي في شؤون العالم الثالث، لبسط نفوذه ونشر المبادئ الشيوعية، ولا يعني ذلك أن الاتحاد السوفيتي كان منفرداً في الساحة الدولية، بل ان الولايات المتحدة كانت تنافسه في هذا المجال،
وتحاول بسط نفوذها على كثير من دول العالم، وكانت تستخدم في ذلك سلاح المعونات والسيطرة من خلالها على إرادة الأمم.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح تدخل أمريكا لفرض نفوذها أكثر جرأة، وهذه الجرأة على التدخل في شؤون الدول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كانت لها آثار وخيمة على أمن العالم واستقراره.
وأياً كانت الأسباب الداعية للتدخل، فإنه مع وجود هيئة الأمم المتحدة بمجلس أمنها وجمعيتها العامة وهيئاتها المتخصصة، على رغم ضعفها في أداء مهماتها التي حددها ميثاقها، وفي مقدمتها حفظ الأمن والسلم الدوليين، فإنه لا يجوز لأي دولة مهما كانت الأسباب أن تتدخل في شؤون دولة أخرى، سواء الداخلية منها أو الخارجية إلا عن طريق الأمم المتحدة أو بواسطتها، وإلا كان ذلك انتهاكاً لمبادئها التي وردت في ميثاقها.
وعلى الجانب الآخر فإن مبادئ إعلان حقوق الدول وواجباتها الصادر عن الجمعية العمومية بقرارها رقم 2625 في دورتها الخامسة والعشرين بتاريخ 24 اكتوبر 1970، ومن أهم المبادئ التي تضمنها الإعلان أن على كل دولة الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، ويدخل في إطار هذا الواجب الامتناع عن إثارة الاضطرابات الداخلية في الدول الأخرى والامتناع عن تنظيم أية نشاطات في إقليمها تستهدف إثارة مثل هذه الاضطرابات.
إن ما يعانيه العالم اليوم من حروب ونزاعات وصراعات وويلات وانهيار اقتصادي هو إحدى أهم النتائج لذلك التدخل الغاشم في شؤون الدول وسيادتها وعدم احترام شرعيتها، ولا تخرج التدخلات الإيرانية التي اعتبرت مملكة البحرين المحافظة الرابعة عشرة لإيران عن هذا المفهوم القانوني للتدخل، وحقيقة الأمر أن التهديدات الإيرانية قديمة حديثة، فالشاه الذي كان يعد مخلب أمريكا في الخليج أطلق تهديدات مماثلة ضد البحرين في السبعينيات، واليوم تعيد الجمهورية الإسلامية التهديدات نفسها وإن كانت بلهجة أقوى، وهذا يعد تهديداً بانتهاك سيادة واستقلال دولة ذات سيادة تامة، وخروجاً على حكم الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، الذي وُضع لحماية سيادة الدول وشرعيتها وما قامت به طهران وتقوم به من تدخل سافر في مملكة البحرين حالمة بإعلان (جمهورية إسلامية في البحرين) على أساس الخط الإيراني بعد تفكيك النظام السياسي ومؤسساته، لكن أهداف ايران ومؤامرتها ذهبت أدراج الرياح، كل ذلك يؤكد أنها ماضية في غيها ولن تتراجع قيد أنملة وهذا هو شعارها منذ ثورة الخميني 1979.
ولا شك أن دول المجلس عندما وقفت بالمرصاد لتدخلات ايران ودفعت بقوات عددها محدود للوقوف إلى جانب البحرين لحماية المؤسسات الحيوية، هو واجب أصيل فكان قرار المجلس بدعوة قوات درع الجزيرة قرارا صائبا برهن قوة وحدة المصير بالوقوف صفا واحدا ضد كل تدخل تآمري سواء جاء من الخارج أو الداخل.
إيران لن تتوانى في تدخلاتها، الكويت عانى من تدخلات إيران من خلال تنظيم خطير اكتشفته السلطات الكويتية، فأفشلت ذلك المخطط الخبيث وهي الدولة الفارسية التي تحتل الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ليمثل تدخلها السافر العداء الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
وإذا كانت ايران اليوم لها القدح المعلى في العراق وتقف بلا حدود إلى جانب النظام السوري المتهاوي وتسلح حزب الله والحوثيين في اليمن وكل تلك تدخلات في شئون دول مستقلة، فان دولة الخميني لا تخفي تدخلاتها في بلاد الحرمين الشريفين منذ ثورتهم على الشاه الذي تخلت عنه صديقته الحميمة ماما أمريكا، فبعض الحجاج الإيرانيين معروف ما قاموا به من اضطرابات في بعض مواسم الحج بتوجيه من بلادهم وتحطمت تلك المظاهرات على صخرة جهات الأمن السعودية، كما ان تفجيرات الخبر عام 1996 التي كان وراءها الإيرانيين لقيت نفس المصير على ايدي قوات الأمن السعودية، وما قام به بعض السعوديين من الشيعة في القطيف جاء بتوجيه إيراني سيء النية تصدت له جهات الأمن ضمن إطار امني وطني يتمشى مع حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية.
إن إيران الملالي التي سقطت كل مؤامراتها عبر شبكاتها التجسسية في الكويت ومحاولاتها المتعددة لنشر الفوضى وتفكيك الدولة في البحرين بنشر الفتنة بين الشعب الواحد في ذلك البلد مما جعل تدخلها السافر في الشأن الخليجي والعربي عموما سمة لسياسة ذلك البلد بملاليه ونظامه الفاسد (ولاية الفقيه) التي ثبت فشلها داخل وخارج طهران.
ولا شك أن جهات الأمن السعودية التي أثبتت تصديها لكل محاولات التخريب بشجاعة وحرفية ومهنية متناهية، التي تسهر على امن البلاد وهي تعلن للشعب السعودي انها أسقطت خلية التجسس الإيرانية وأصبحت تحت طائلة القضاء والنظام ليقول كلمته بشأن تلك الشبكة التجسسية المكونة من (16) من المواطنين والمقيمين أثبتت الأدلة المادية التي أدلى بها المتهمون عن الارتباط المباشر لتلك الخلية بأجهزة الاستخبارات الإيرانية، وهذه خيانة للدين والوطن والوحدة، وهذا يوضح بجلاء ان ايران تعمل ليل نهار لتصدير أزمتها الأمنية وصراعاتها السياسية ووضعها الاقتصادي المتردي، وبذا فإنها تثبت انها دولة سيئة السمعة في مقدمة أهدافها التحريض والتخطيط لخلاياها السرية المنتشرة في الخليج العربي التي تتغذى على الأفكار والإيديولوجيات الإيرانية.
وما قامت به الدولة من خلال أجهزتنا الأمنية تؤكد لإيران (قم) بأننا لا نسمح لأي دولة التدخل في شئوننا الداخلية وعلى الجانب الآخر لا نتدخل في سياسات الدول الأخرى الداخلية وهذه سياسة سعودية عرفت على مدى أكثر من قرن من الزمان وتلقى احترام العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي.
واذا ما تمادت دولة مثل دولة الخميني واتباعه في غيها للتحريض والمؤامرات الخبيثة فإننا سنقطع الأيادي التي تبث سمومها وسياساتها التآمرية وان العقوبة التي تعد رحمة لأنها توقف المعتدين والطامعين ستقع بدون رحمة على كل متآمر سواء ضد بلادنا او دول المجلس عموما.
وهذا هو ديدن كل مواطن سعودي او خليجي.. فوطننا منبت العزة والكرامة، ارض القداسات.. منطلق الدعوة لدين الله، حيث بزغت شمس الإسلام لتشرق على الدنيا.. وطن نعيش فيه ويعيش فينا نتصدى من على أرضه لكل الأيادي والرؤوس التآمرية لتعود إلى من مدها مقطوعة، وهذه أمانة في عنق الحاكم والمحكوم قال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب 72.
وما التوفيق إلا من عند الله
Eml:dredaljhani@hotmail.com
رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية