الرحمة مبادرة إنسانية نبيلة، وهي التعبير العملي الحقيقي والنضج الإنساني الذي يهدف إلى تعاطف الإنسان مع أخيه حين يواجه الملمات، كالمرض والفقر والظلم والاضطهاد.. بل كل جائحة يتعرض لها الإنسان.
وأصحاب القلوب الرحيمة هم من يبادرون إلى الوقوف مع الآخرين بدوافع إيمانية وإنسانية، هدفها رفع الضرر كلياً أو تخفيفه على أقل تقدير.
إن مكانة الرحمة كبيرة جداً في الحياة الدينية والإنسانية؛ لأنها لا تقتصر على جنس أو نوع بل إنها تشمل كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى. والرحمة لدى المسلم تحديداً لها أهمية خاصة؛ لأنها ذُكرت في عدد كبير من آيات القرآن الكريم، وهذا دليل على مكانتها والمحافظة عليها بوصفها فضيلة من فضائل الإسلام العليا. إن التعامل مع الرحمة وتطبيق مبدأ التراحم من أهم الأمور في الحياة اليومية.
إن السؤال المحير: هل نحن نعيش في عالم لا يرحم؟ خاصة أننا نشاهد يومياً القتل والتعذيب وسفك الدماء والتفجير وإهانة البشر.. فأين الرحمة من هؤلاء؟! إنهم حقاً قتلة، لا يقيمون للأنفس وحفظها وزناً؟
أين الرحمة من قلوب من يملكون الأموال وأقرب الناس لهم يصارعون الفقر والحرمان؟
أين الرحمن من قلوب من يمارسون العقوق مع الوالدين والإخوة والأخوات والأرحام؟
أين الرحمة من قلوب من يحتقرون الأرامل والأيتام؟
أين الرحمن من قلوب من يدمرون عقول الشباب طمعاً في المال؟
إن الرحمة يا سادة يا كرام تعني تخليص الناس من الآفات وإيصال الخيرات إلى أصحاب الحاجات، وهي تشمل كل كائن حي يشعر بالألم والعذاب.
والدين الإسلامي لا يقبل بالقسوة على الحيوانات، ولا يقبلها على الإنسان.. فهل تجد الرحمة طريقها إلى القلوب امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله”، وقوله: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: “الراحمون يرحمهم الله”.. فهل نرحم من في الأرض لتأتي رحمة من في السماء لنا ونسعد بالدارين؟.. إنها دعوة صادقة لرفع الضرر وترسيخ مبدأ التراحم.. فهل تتوحد المشاعر الأخوية في الضمائر؛ لتشكّل نهراً من الرحمة، لا ينقطع جريانه؟ أنتم مدعوون لذلك. والله الهادي.
