حينما هممت بكتابة هذا المقال أحببت أن أضع ديباجته من كلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ فهو - أعزه الله بطاعته - يقول للمسؤولين في بلادنا صغاراً وكباراً: (إننا لسنا شمساً لا تغيب فتقع على كل شيء، ولكن إن غاب رقيبنا فرقيب الله لن يغيب). إنني حينما أتأمل هذه العبارة الحصيفة من مولاي أجدها قطعت القول عن كل خطيب. إنه بهذه العبارة كأنه يقول إن ترسيخ المثل والمبادئ السامية والخوف من الله متى ما توافرت عند كل من أُنيطت به مسؤولية أياً كان نوعها فإن هذا المسؤول والحالة هذه لن يتنكب الصراط المستقيم؛ فذلك الذي يؤمن بأن الله رقيب عليه، وأنه مطلع على عمله، سواء أحسن أو أساء، وسوف يجازَى إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وعلم أن من متانة هذا الدين القويم أن الله تعالى يطلع على نوايا البشر فيحاسب على النية الصالحة خيراً، كما يحاسب على النية الطالحة شراً، سوف يستشعر مراقبة الله تعالى في أفعاله. إن كان لمقالي هذا مناسبة فهي يوم رأيت خادم الحرمين الشريفين وكأنه يقول إنه يوجد بعض النشاز واقتراف الأخطاء التي تخرق معاني المثل والمبادئ، وتهدم التزام الإنسان بالدين في الجانب المالي والإداري، فإنه - حفظه الله - إثر ذلك أنشأ (هيئة مكافحة الفساد)، تلك الهيئة التي من مهامها محاربة الخلل الإداري أو المالي، وغيرهما إن وجد، وفعلاً قامت هذه الهيئة مشمرة عن قدم وساق متبينة كل ما من شأنه القضاء على الفساد وجث أصوله؛ فأعان الله هذه الهيئة، وبارك في جهودها، وسدد خطاها. ولكن الفساد لن يُقضى عليه بصفة دائمة إلا بتأصيل المبادئ وزرع المثل عند هذا الشعب الكريم؛ فالحارس الأمين الذي لن يتجاوز بابه أي نشاز هو المثل والأخلاق والتسامي فيها. إذاً، إن تكريس المثل والمبادئ السامية والقيم والصدق والأمانة في جذر قلوب الرجال كفيلٌ بأن يحمي موظفينا من كل فساد؛ فيجب أن يرضع الطفل مع حليب أمه هذه المبادئ، فإذا يوماً آلت إلى شخص مسؤولية فإنه لن يعمل إلا وفق ما تملي عليه أخلاقه السامية وضميره الحي اليقظ الذي يقوده إلى رضا الله ورسوله وولاة أمره ومواطنيه. على أن تكريس المثل والأخلاق يجب أن تناط بها جهات كثيرة (كالبيت والمدرسة والجامعات وخطب الجمعة وكلمات الوعاظ والمصلحين والمربين).
إن زراعة المثل في جذر قلب المرء أفضل بكثير من وضع جملة من المحاذير. سقف المبادئ أعلى من سقف المحاذير؛ فبهذا الأسلوب نصنع شخصية متزنة تواقة لفعل الخير ماقتة لفعل الشر. إنه متى ما كانت هذه المبادئ والمثل أهم عند الشخص من الخبز فإنها ستقوده إلى أفق أرحب، يدلف بها إلى عيش رغيد وحياة آمنة مطمئنة موفقة.