ارتبط اسم (أرامكو) لدى مخيلة السعوديين رسميا وشعبيا بالإتقان ودقة التنفيذ وصرامة المعايير، بالإضافة إلى بيئة العمل المحفزة ومنها جودة التدريب داخليا وخارجيا وتميز الرواتب والمزايا المادية، مع وضوح السياسة التشغيلية والإدارية وأنظمة العمل وكل هذه وغيرها من المزايا تنتج تميزا في العمل والموظفين والعاملين في مختلف قطاعات الشركه،
ويجعلها مطمعا لكل خريج وطالب عمل. هذا الكيان الذي تأسس تأسيسا قويا ومتقنا بخبرة أمريكية خلال النصف الأول من القرن العشرين ظل منذ تأسيسه ولا يزال في تصاعد وتطور مستمر جعل أرامكو تحتل صدارة أكبر الشركات النفطية في العالم، متخصصة في هذه الصناعة التي تشكل عصب الاقتصاد الدولي، إلى أن كلفها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قبل عدة سنوات بالإشراف على تنفيذ الإستاد الرياضي بمدينة جدة، يقينا بأن أرامكو هي الأجدر إداريا بتطبيق أعلى المعايير والمواصفات في البناء والتشييد، فكان ذلك القرار النوعي استدراجا لهذه الشركة العملاقة للدخول في بعض المشروعات الحكومية، وهو ما تأكد بتكليفها أيضا بتنفيذ وتشغيل مصفاة جازان عام 2010م. قبل أيام وخلال شهر مارس الماضي صدر أمر ملكي بتكليف أرامكو بتنفيذ أعمال البنية الأساسية لمدينة جازان الاقتصادية.
كل هذه الأوامر الملكية لها دلالاتها التي لا تخفى على القارئ بين السطور، وعليه فإن أمنية تعتمل في صدر كل مخلص بأن تقود هذه الأوامر الملكية الكريمة إلى تكليف أرامكو بإنشاء شركة تكون بنتا لها تأخذ من صفاتها وطبائعها وعنفوانها دون الاشتغال بمهنة أمها وهي النفط، بل تكون مهنتها الإنشاء والبناء ومشاريع البنية التحتية في طول البلاد وعرضها، محتضنة أبناء الوطن وكوادره ليبنوا بسواعدهم وهممهم الجسور والأنفاق والمستشفيات والمدارس والدوائر الحكومية وغيرها من المشروعات والصروح.
وياليت هذه الشركة الوليدة يدخل في تأسيسها من شاء من أبناء وبنات هذا الوطن عبر طرح أسهمها للاكتتاب، لأن هكذا شركة يكون ربحها مضمونا بإذن الله نظير مكانتها وقوتها وطبيعة عملها في البلد، فتكون باب خير ورزق للعاملين فيها وللمجتمع المساهم فيها، مما يجعلها كيانا اقتصاديا واجتماعيا يحرص الجميع على تطوره وسلامته ونمائه لأنه للجميع ومن أجل الجميع ضمن هذا الوطن الكريم.
لقد سبق وطرحت هذا الموضوع من قبل في صحيفة أخرى وفي هذه الصحيفة أيضا، وتطرقت كما تطرق غيري لموضوع الشركات المنفذة لمشاريع البنية التحتية والخدمية، وهي شركات محلية، وكلنا نعلم عن ظاهرة المشاريع المتعثرة للأسف الشديد ولا يخفى على عاقل أن سوق المقاولات لدينا يشكو من العشوائية ورداءة التأهيل والفساد، وقد ذكرت من قبل بالكثير من التحسر الفارق الكبير والمهول لمستوى مشاريع نفذت وقت الطفرة في النصف الثاني من السبعينات الميلادية من قبل شركات أجنبية آسيوية وأمريكية وأوربية ومازال الكثير منها يشهد بجودة تنفيذه وصلابة بنائه وتميز مرافقه ومواده، يشهد بكل ذلك لتلك الشركات المنفذة بالخبرة العريقة والتخصص المبهر.
ولكي لا يظن القارئ الكريم أني أناقض نفسي، فعندما أتمنى تأسيس (أرامكو ثانية) للبناء والتعمير، لا أنكر وجود شركات أثبتت جودة عملها ومعاييرها، ولكنها لا تستطيع تغطية كل أرجاء المملكة والدليل حجم المشاريع المتعثرة لدينا والتي بلغت الآلاف باعتراف المسئولين، هذا من جهه، ومن جهة أخرى أدعو وأتمنى فتح المجال مرة أخرى للشركات الدولية كما حدث في الطفرة الأولى لتنفيذ مشاريع البنية التحتية والخدمية، مع تشجيعها على تكليف شركات محلية بالاشتراك معها في العمل والتنفيذ، وبذلك تستفيد الشركات السعودية خبرة وتسهم بتوطين تقنيات البناء والتشييد تدريجيا أو جزئيا، ومهما يكن فادعاء أننا نستطيع العمل بالخبرة والكوادر المحلية فقط غير مقبول ولامنطقي لأن الواقع والتكليف بالباطن يشهد على هذا. ألمانيا، هذا العملاق الاقتصادي، اعتمد في شماريع البنية الأساسية وإعادة إعماره بعد الحرب العالمية الثانية على سواعد المهاجرين الأتراك، وأمريكا تعتمد في صناعاتها ومشاريع أبحاثها كثيرا على المهاجرين، فاعتماد الشعوب على بعضها سنة إلهية. إذا الأمنية تبقى كبيرة ومن القلب بولادة (أرامكو للبناء)، مع استقطاب الشركات العملاقة الدولية لتعمل معها ومع الشركات المحلية الكفء للبناء والتعمير, وعذرا على إطالتي والحديث ذو شجون.. ولكم فائق الاحترام.
omar800@hotmail.com