في لقاء سريع بمعالي أمين منطقة الرياض المهندس عبد الله بن عبد الرحمن المقبل الأسبوع الماضي قلت له: أرجو أن يتسع صدر معاليكم لما يكتب من آراء تنتقد أداء الأمانة أو تشير إلى مواضع النَّقص، فقد يحتد الكاتب في وصف جوانب من القصور، ولكن الغاية الشريفة من النقد هي الإسراع في معالجة السلبيات، وكان بابتسامته العفوية ودماثة خلقه وتواضعه ولطفه الجمّ مع جميع من التقى بهم من المواطنين مشجِّعًا على الشفافية في النقد، ليس على إِنْجاز ما نتمنَّى للرياض؛ بل حتَّى نقد أسلوب التَّعامل مع بعض القضايا في بعض إدارات الأمانة العتيقة التي تعاني عجزًا وبيروقراطية ومماطلة وسوء إدارة، وكان رد الأمين على ضرورة إصلاح ما يتذمر منه المراجعون أو يكتب في الصحافة مبشرًا بالخير، فقد قال كلامًا طيِّبًا نصه: إنني أتطلَّع من الصحافة إلى إبانة مواضع القصور؛ لا المديح! ليس للمادح مكانٌ مثلما للناقد الذي يدلنا على ما يجب عمله لإصلاح أيّ خطل أو قصور.
هذا كلام جميلٌ ورائعٌ، وهو واجب المسؤول المخلص، وهو واجب الصحافة الرقابي أيْضًا، فلا حصانة لمسؤول من النقد، ولا تخاذل في دور الصحافة، وهو دورٌ مهمٌ من أدوارها الكثيرة في خدمة المجتمع؛ بحيث تكون الصوت الوطني الحر وضمير الأمة المخلص الذي ليس له من غاية ولا هدف سوى الأخذ بالمجتمع إلى آفاق التطور، ومعالجة كل أسباب إعاقة النُّهوض من أوجه الفساد على المستوى الماديّ أو المعنوي.
ومن منطلق الشفافية التي يؤمن بها معالي الأمين أستاذنه في تدوين ملحوظات سريعة عن بعض ما أتمنَّى إصلاحه في مدينة الرياض لتكون مدينتنا الجميلة التي نباهي بها:
- سوق عتيقة للفواكه والخضار: من أراد الرجوع إلى تاريخ مدينة الرياض قبل اكتشاف البترول فليس عليه أن يعود إلى الصُّور القديمة للرياض قبل خطط التطوير والتحديث وتدفق المال وبناء الرياض الحديثة أيّ قبل نصف قرن؛ بل عليه أن يقوم بزيارة إلى هذا السُّوق المتهالك البائس الذي لا يشعر من يتسوق فيه إلا بأنّه في مدينة خارج هذا الزَّمن ولا زالت تعيش حقبة السبعينات الهجرية من القرن الماضي؛ فسيجد الزائر عششاً بالية تظلل محال الخضار ومغطاة بأقمشة خلقة، وسيجد مباني انتهت صلاحيتها تظلل محال الفواكه وقد تهدمت أجزاء منها واستحالت ألوانها وتعطلت إناراتها، وسيجد الأحجار الضَّخمة العازلة تتنأثَّر في الساحات بصورة بدائية توحي باتِّخاذ حلول عاجلة لتوزيع حركة المرور في السوق، وقصة الأحجار الفاصلة في شوارع مدينة الرياض تستحق مقالاً طويلاً ساخرًا؛ لأنّها أصبحت ظاهرة مزرية وعلامة لا تخطئها العين في كثير من الشوارع والميادين، وكأن الرياض الآن وقد أصبح «الحجَر» علامة بارزة عليها وشاهدًا من شواهدها في كلِّ الميادين تستمد ذلك من تأريخها القديم «حِجر»!
لن تجد مدينة في العالم تستخدم الحجارة العازلة الفاصلة في الشوارع بمثل هذه الصورة العشوائية في مدينتنا الرياض؛ لقد اكتشف مخترع الفصل بالحجارة أن أسهل الحلول والبديل عن التأسيس الثابت التقسيم السَّريع بالحجارة، ولكنَّها تترك عشرات السنين في مكانها إلى أن تتهالك وتتشوه بسبب ما تَتَعرَّض له من زحزحة وصدم وتكسير.
وعودًا على سوق عتيقة أقول: إنّه لا يحتاج إلى ترقيع أو تجديد أصباغ؛ بل إلى إزالة كاملة وإعادة بناء في الموقع، أو بناء سوق جديد بمواصفات حديثة عالية في مكان آخر يلغي زمن ما قبل اكتشاف النفط!
- قامت أحياء واكتظت بالسكان وفتحت شوارع؛ ولكنَّها لم تكتمل، فقد صب ّ الإسـفلت صبًا سريعًــا، ثمَّ نسيت سنين عديــدة؛ فلا أرصفــــة ولا تشجير، وأحيانًا لا إنارة في أحياء تفوق الحصر: بدر، العريجا، الفواز، الشفا، النسيم، النظيم، وغيرها، وهذه العشوائية وعدم العناية لا تقتصران على القديم المنسي من الأحياء، بل على الحديث جدًا، مثل أحدث حي في الرياض وأغلاها وهو حي الملقا!
- تحتاج شوارع كثيرة في المدينة وبخاصَّة الداخليَّة إلى إعادة سفلتة، لمعالجة التلف وخشونة الطرق، التي توحي لقائد المركبة أنّه في الخلاء وليس في مدينة معبدة الطرق!
- لو تجوَّل معالي الأمين وحده وتأمَّل أرصفة شوارع مدينة الرياض الرئيسة لا الفرعية لهاله أشد الفزع، ولا اقترح أن يذهب بعيدًا؛ بل ليبدأ الجولة بالقرب من الأمانة في شارع الملك فيصل والديرة ودخنة والأعشى وطريق الحجاز القديم وتقاطعات الجسور؛ مثل جسر سلطانة - عتيقة، والخزان والشميسي، ثمَّ الشوارع الحديثة في العليا والسليمانية والعروبة وغيرها؛ ليجد أن أرصفة كثيرة قد تخلخلت وتكسرت بلاطاتها من سنين طويلة ولم تمتدّ إليها يد الإصلاح، وكأن الأمانة لا تضم بين إداراتها الكثيرة إدارة كبيرة للصيانة، أو كأن موظفي هذه الإدارة ورؤساء البلديات الفرعية لا يرون ولا يتجولون ولا يتضجرون ويألمون لحالة هذه الأرصفة المتداعية المهملة، فتبقى إما حفرًا تجتمع فيها النفايات أو ممرات متربة مغبرة!
- انتهت الهيئة العليا - مشكورة - من إنشاء طرق سريعة، ولكنَّها تستلم هذه المشروعات الضَّخمة دون أن تكتمل، لتبدأ مرحلة جديدة من التطوير واستكمال النَّقص كإنشاء جسور إضافية أو صب ّ الأكتاف أو الإنارة، أو تشجير الجزر الفاصلة بين الطرق، وهنا أشير إلى تأخر التشجير وبقاء هذه الجزر الفاصلة فارغة لاستقبال المخلفات أو لتكون حفرًا عميقة مشوهة، وسأجد أنني ملزم بقائمة طويلة لو ذهبت أحصي الطرق السَّريعة التي لم يكتمل تشجيرها بعد، وأقرب مثال على ذلك الضّلع الغربي من مصنع الإسمنت إلى صلبوخ، إلا أجزاء يسيرة منه، والوصلات المتفرعة من ميدان الجزائر. وبالمناسبة هذا الميدان صورة لعدم اكتمال المشروع؛ فلا توجد في الجسور أو تحتها إضاءة واحدة؛ وعولج وضعه بغرس أعمدة إضاءة منخفضة بين الجسور، وكان الأولى تأسيس إنارات مميزة وكاشفة تحت كل الجسور ليخرج هذا الميدان من عتمته!.
- مدخل مدينة الرياض من الجنوب قبل مستشفى الحميات ومصنع الإسمنت يحتاج إلى عناية والتفات إلى وضعه السيئ؛ فقد شجرت أجزاء منه بطريقة عشوائية؛ ولكنَّه بلا أرصفة على الجانبين، ولا تشجير أو رصف لأجزاء كبيرة منه.
- أما من التفاتة إلى حي البطحاء؟! فمحلاته التجاريَّة وأزقته وشوارعه الضيقة الرَّديئة وفنادقه البالية العتيقة لا تتناسب أبدًا والرياض الحديثة، فهو وسوق عتيقة خارجًا زمننا الحاضر الذي نقل الرياض إلى مصاف المدن الحديثة.
ملحوظات سريعة أدونها راجيًا أن تكون محل التأمَّل والنظر، وموضع عناية معالي الأمين ببشاشته وسعة أفقه وعزيمته الوثابة على استكمال أوجه النَّقص والقصور. هذه مدينتنا بيتنا الكبير وسنظل نلح ونلح إلى أن نراها بالفعل كما يتمنى كل محب لها: درة المدائن!.
moh.alowain@gmail.commALowein@