|
أعلنت وزارة العدل مؤخراً، عن تطبيق نظام التنفيذ.. «النظام» الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/53 وتاريخ 13/8/1433هـ، بعد أن أصدرت الوزارة اللائحة التنفيذية تمشياً مع المادة 97 من هذا النظام. وتبعاً لذلك أعلنت وزارة التجارة والصناعة بتاريخ 15/4/1434هـ عن توقفها اعتباراً من نهاية دوام يوم الأربعاء الموافق 27/2/2013م عن قبول دعاوى الأوراق التجارية.. أي السندات لأمر والشيكات على اعتبار أن الكمبيالة ليست محل تعامل في وقتنا الحاضر، ويستند إعلان وزارة التجارة والصناعة إلى المادة التاسعة من النظام التي أعطت لقاضي التنفيذ صلاحية التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية، ومنها الأوراق التجارية، وقد أثار إعلان وزارة التجارة والصناعة فضول الكثير من رجال الأعمال، إذ تساءلوا عن مدى جواز استمرار قيام لجنة المنازعات المصرفية باتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية بعد صدور نظام التنفيذ وبدء سريانه، خصوصاً أنه أكد على تخصيص دائرة تنفيذ أو أكثر في المحاكم العامة في المدن الرئيسة لتتولى تنفيذ قرارات اللجان ذات الاختصاص شبه القضائي.
قبل الخوض في ذلك أود أن ألفت عناية القارئ الكريم إلى أن لجنة المنازعات المصرفية تُباشر اتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية طيلة سبع وعشرين سنة مضت أي منذ إنشائها بموجب الأمر السامي الكريم رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ، حيث نص البند الثالث من ذلك الأمر على صلاحية اللجنة في اتخاذ العديد من الإجراءات التحفظية والتنفيذية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الحجز على أموال المدين، المنع من السفر، منع المدين من التعامل مع الأجهزة الحكومية والبنوك، حجز مستحقات المدين لدى الجهات الحكومية، الحجز على الأوراق المالية (الأسهم والصناديق الاستثمارية) وتعليق الخدمات العامة.. إلا أنه ومع صدور المرسوم الملكي الخاص بنظام التنفيذ المشار إليه أعلاه، برز التساؤل عن نزع هذا الاختصاص من لجنة المنازعات المصرفية، وهو اجتهاد أو تفسير لا أتفق معه لعدة أسباب سأتناولها في هذه المقالة.
كما هو معلوم للمحامين والقضاة، فإن تعليمات وإرادة ولي الأمر تأخذ أربعة أشكال وصيغ، هي: (الأمر الملكي، المرسوم الملكي، الأمر السامي، قرار مجلس الوزراء)، فالأمر الملكي يُعبّر عن إرادة خادم الحرمين الشريفين المنفردة بصفته ملكاً للبلاد، أما المرسوم الملكي فيُعبّر عن إرادة ولي الأمر (الملك) في الموافقة على إصدار نظام تم عرضه على مجلس الوزراء ومجلس الشورى وغيره من الجهات المختصة الأخرى.. أما الأمر السامي فيصدر عن ولي الأمر بصفته رئيس مجلس الوزراء، أو يصدر من أحد نوابه في حين أن قرار مجلس الوزراء يصدر ويُعبّر عن رغبة مجلس الوزراء باعتباره يملك الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.
ويُلاحظ أن الترتيب في القوة والنفاذ يكون أولاً للأمر الملكي، ثم المرسوم الملكي، ثم الأمر السامي، وأخيراً قرار مجلس الوزراء.. ولذا فإنه وفي حال التعارض بين أمرين أحدهما مثلاً صادر بمرسوم ملكي، والآخر بموجب أمر ملكي تكون السيادة لما هو صادر بموجب أمر ملكي حسب الترتيب الذي ذكرناه وفق أعلاه.. وعليه، فإنه، وحيث صدر أمر ملكي بتاريخ 12/8/1433هـ (قبل صدور المرسوم الملكي الخاص بنظام التنفيذ بيوم واحد) نصّ في البند ثامناً منه على صلاحيات محددة للجنة المنازعات المصرفية بشأن تنفيذ قراراتها، حيث نصّ على صلاحية اللجنة في سبيل إلزام المدين بتنفيذ القرارات القطعية ذات الصلة باختصاصاتها بأن تصدر قرارات بالحجز على حسابات المدين المصرفية، أي ما لدى البنوك وكذلك حساباته الاستثمارية (أي ما لدى الشركات الاستثمارية من محافظ أسهم وحسابات استثمارية) وكذلك الحجز على مستحقات المدين لدى الجهات الحكومية ومنع المدين من التعامل مع الجهات الحكومية والبنوك، وأخيراً المنع من السفر، لذا وحيث إن هذه الصلاحيات قد صدرت بموجب أمر ملكي، في حين أن نظام التنفيذ قد صدر بموجب مرسوم ملكي، فتكون السيادة عند التطبيق لما هو صادر بموجب أمر ملكي.. عليه فإن للجنة المنازعات المصرفية حق الاستمرار في اتخاذ الإجراءات التنفيذية، وفقاً لما هو وارد على سبيل الحصر في البند ثامناً من الأمر الملكي.. ولا يكون للدائن في القضايا المصرفية حق الذهاب إلى قاضي التنفيذ إلا لغرض اتخاذ الإجراءات التنفيذية بشأن الأموال غير المنقولة (العقار) أو طلب إعلان إفلاس التاجر المدين من خلال ديوان المظالم، حيث لم يعطِ الأمر الملكي للجنة المنازعات المصرفية حق اتخاذ هذين الإجراءين، وقد يجادل أحد بأن اللجنة المصرفية نفسها نشأت بموجب أمر سامٍ، وهو أقل درجة من الأمر الملكي، وهذا صحيح لو لم يصدر الأمر الملكي الخاص بصلاحيات اللجنة فيما يخص التنفيذ قبل يوم واحد من صدور المرسوم الملكي الخاص بنظام التنفيذ، والحكمة من هذا التسلسل التاريخي واضحة.
والله الموفق.
- مستشار قانوني