|
الجزيرة - د. حسن الشقطي:
من المثير للجدل اقتصاديًّا هو كم نطاق القطاع العقاري بالمملكة؟ كم قيمته؟ أو بمعنى آخر كم هي حجم الثَّرْوة العقارية بالمملكة؟، البعْض يتحدث عن توقعات تشير إلى بلوغه 1.2 تريليون ريال.. إلا أن هذه التقديرات تمثِّل قيمة الأراضي المخصصة أو المستعملة، والمباني والمساكن القائمة فقط، ومن الخطأ إطلاقها على قيمة الثَّرْوة العقارية ككل، لأن مفهوم الثَّرْوة العقارية يدخل في حسابه عناصر أخرى عديدة ذات قيمة، من أهمها قيمة مساحات الأراضي البيضاء أو غير المخططة، التي هي تمثِّل مخزنًا للقيمة، ولكنَّها غير محسوبة في قيمة القطاع العقاري في الوقت الراهن.
مخزن القيمة «المربح»
في الأراضي البيضاء
القطاع العقاري بالمملكة لا يمثِّل مُجرَّد قطاع يقدم المساكن أو الوحدات التجاريَّة والإدارية للمستثمرين والتجار، ولكن هويته الأخرى الأهمّ هي أنّه يمثِّل مخزنًا للقيمة.. إلا أن تخزين القيمة لا يمرُّ مرور الكرام، ولكن يحقِّق ربحًا مغريًّا في غالب الأحيان.. فالتجارة في العقار سواء بقصد الإدخار أو بدونه تعد من الأمور المتعارف عليها مجتمعيًّا لدى جميع المواطنين.. والإدخار أو الخزن يتم بالفطرة وبلا ميول استثماريَّة، وخصوصًا أنّه مخزن آمن للقيمة.. إلا أن هذه الفطرة أصبحت نمطًا متعارفًا عليه في تحريك ودوران الأراضي البيضاء.. فالأرض لا تأكل ولا تشرب، ولا تحتاج لحراسة، وغير وارد احتياجها لصندوق أمانات بنكي لتخزينها..
لذلك، فإنّها المفضّلة لدى الأسر والعوائل غالبًا في التخزين الأمن والمربح للقيمة.
أنواع الأراضي البيضاء
تعرف الأراضي البيضاء بأنّها هي الأراضي التي لم يتم تخطيطها بعد، ولم يُقم عليها أيّ ملامح عمرانية، وهي إما تقع داخل أو قرب أو على امتدادات المدن الآهلة بالسكان، وتنقسم الأراضي البيضاء إلى نوعين:
الأولى: أراضٍ داخل أو قرب امتدادات المدن، وهي أراضٍ غالبًا تلتحم بمساحات أخرى بيضاء، أو بأراضٍ مستعملة (عليها مبانٍ) أخرى، وهي ذات قيمة مرتفعة نسبيًّا للمتر المربع.
الثانية: أراضٍ تقع على مسافات بعيدة نسبيًّا عن المدن، وهي ذات قيم متدنية.
والجميع يعلم أن العمران بالمملكة يفوق غيره في الدول الأخرى، نتيجة للطفرة الاقتصاديَّة التي تعيشها المملكة في كافة ربوعها.. لذلك، فإنَّ قيمة الأراضي البيضاء تتحرك فيها بِشَكلٍّ متسارع من فترة لأخرى..
جدير بالذكر أنّه لا يوجد تقنين بالنظرية الاقتصاديَّة عن أراضي البيضاء، لذلك ما ذكر هو تقنين شخصي.
شبكة الطرق البريَّة.. العنصر المحفز لارتفاع أسعار الأراضي البيضاء
يُعدُّ النجاح الباهر للمملكة في بناء شبكة طرق بريَّة متسعة وذات بنية تحتية قوية، على مستوى كافة المناطق والمدن والقرى والهجر، من أهم العناصر التي تحفِّز تحوّل الأراضي من أراضي بيضاء مهجورة إلى أراضٍ ذات أسعار عالية.. فمجرد إنشاء طريق بري جديد يرتفع سعر الأراضي القريبة منه أو الواقعة عليه.
وكلما نجحت المملكة في إيصال شبكة طرقها البريَّة إلى منطقة معينة، تَتحوَّل قيمة الأراضي المهجورة بهذه المنطقة من أراضٍ يصل سعر المتر فيها من بضعة هللات إلى قيمة قد تصل إلى 10 أو 100 ريال أو أكثر.
العمرنة الجديدة والمتسارعة..
ونجاح إدخار الأراضي البيضاء
العمرنة هي مفهوم لتوصيف سرعة العمران في المناطق الجديدة، وتقوم العمرنة غالبًا على مُتغيِّرات عديدة من أهمها: بناء المدن الصناعيَّة أو الاقتصاديَّة الجديدة في مناطق قريبة.. أو إنشاء شبكة طرق بريَّة أو قيام مشروعات صناعيَّة قريبة من المنطقة أو بناء المطارات قريبًا من المنطقة أو ظهور ملامح للغاز أو النفط قريبًا من المنطقة.. كل هذه العناصر يمكن أن تحوّل مناطق مهجورة إلى عامرة سريعًا جدًا.
والعمرنة تتسبب في تضاعف قيمة الأراضي بِشَكلٍّ كبير، وتُؤدِّي إلى نجاح الإدخار.. ومن المعروف أن نجاح الإدخار أو التسقيع يعتمد على ندرة العارضين في المنطقة للأراضي الجديدة.
الجدل حول تقدير حجم مساحات الأراضي البيضاء بالمملكة
تقدّر مساحةالمملكة بنحو 2.3 مليون كيلومتر مربع أو حوالي ما يعادل 225 مليون هكتار.. وتتوزع هذه المساحة ما بين أراضٍ مستعملة وأخرى مخططة، وثالثة بيضاء أو غير مخططة.. ويوجد تفاوت بين الأرقام المقدرة لحجم مساحات الأراضي البيضاء على مستوى المملكة، وخصوصًا بالمدن الرئيسة، مثل الرياض (تقدّر مساحة الأراضي البيضاء فيها بنسبة 54.0 في المئة).. وتشير احصاءات وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى أن نسبة مساحة الأراضي البيضاء أو غير المخططة تمثِّل حوالي 40.4 في المئة من إجمالي مساحات الأراضي بالمملكة.. إلا أنَّه ينبغي ملاحظة أن مفهوم تقدير مساحات الأراضي البيضاء يقوم على الأراضي المحدَّدة داخل نطاقات المناطق والمدن فقط.. فمثلاً تشير الاحصاءات إلى أن إجمالي مساحات الأراضي المقدرة بالمملكة يصل إلى 7.8 مليون هكتار، في حين أإننا نعلم أن إجمالي مساحة المملكة يصل إلى 225 مليون هكتار، بمعنى أن تقدير مساحات الأراضي يقوم على معايير متعارف عليها دوليًّا، ومِنْ ثمَّ فإنَّ هناك العديد من المساحات تعد خارج نطاق التقدير.. وبالتالي لو أردنا قياس حجم المساحات البيضاء الحقيقية بالشكل الإجمالي فإنّها تصل بالمملكة إلى حوالي 220 مليون هكتار.. إلا أن الأراضي البيضاء المؤهَّلة للاستخدام فهي 3.2 مليون هكتار فقط.
مشكلة الإسكان
لقد ظهرت على السطح بالمملكة مشكلة إسكانية منذ عام 2007م-2008م تقريبًا، نتيجة الخلل في العلاقة بين عنصرين رئيسين، هما ندرة الأراضي وارتفاع أسعارها، وبين ارتفاع عدد السكان وخصوصًا من الفئات المؤهَّلة للزواج.. وتتجلَّى هذه المشكلة في كون نسبة تملك الأسر السعوديَّة لمساكنها تصل إلى حوالي 62.1 في المئة، واستمرار تضخَّم إيجارات المساكن والشقق..
لذلك، فإنَّ كافة الحلول لهذه المشكلة الإسكانية ترتبط بِشَكلٍّ أو بآخر بحلٍّ مشكلة ندرة الأراضي البيضاء وتحفيز ملاكها على طرحها بالسوق.
العناصر الغائبة في تقدير الثروة العقارية
يقدر الاقتصاديون حجم الثَّرْوة العقارية بالمملكة بما يناهز 1.2 تريليون ريال، وأقصى تقدير لها تمثِّل في 1.5 تريليون ريال.. إلا أنّه توجد دلائل عديدة على خطأ هذا التقدير، وذلك لما يلي:
* إن الصندوق العقاري وحده ضخ منذ إنشائه حوالي 187 مليار ريال لتمويل 841 ألف وحدة سكنية، بمتوسِّط 222 ألف ريال للوحدة الواحدة.
* إن عدد المساكن المأهولة بالمملكة يصل إلى 4.6 مليون مسكن، أيّ أن إجمالي قيمة المساكن المأهولة بالسكان بالمملكة وحدها تصل إلى 1000 مليار ريال.
* إلا أننا إذا رغبنا في تقدير دقيق لحجم الثَّرْوة العقارية ينبغي أن نأخذ في اعتبارنا قيمة الأراضي المخططة، وأيضًا الأراضي غير المخططة.. وينبغي أن نعلم أن جزءًا مهمًا من كلا الاثنين يقع داخل الحيز العمراني للمدن، التي تعتبر ذات قيمة مرتفعة لأنّها تعرض لاحقًا بسعر بيع المتر داخل المدن.
* يشير جدول (2) إلى أن حجم مساحات الأراضي المخططة بالمملكة يصل إلى 964 ألف هكتار، وهي أراضٍ ذات قيمة عالية لأنّها تمثِّل حيز عمراني داخل التخطيط.. كما يشير الجدول إلى أن حجم مساحات الأراضي البيضاء يصل إلى حوالي 3.2 مليون هكتار، وهي أراضٍ ذات قيمة أقل لأنّها أراضٍ غير مخططة.. فلو افترضنا أن سعر المتر للأراضي المخططة يصل إلى 10 ريالات، وأن سعر المتر للأراضي غير المخططة هو (1) ريال للمتر، فإنَّ قيمة الأراضي المخططة والبيضاء تصل إلى حوالي 8.0 تريليون ريال، وهي قيمة حقيقية وفعلية، ويتعامل عليها أصحابها كمخزن للقيمة.
* إذن، إذا أضفنا قيمة العقار المتمثل في المساكن المأهولة التي تصل قيمتها إلى 1.0 تريليون ريال على قيمة الأراضي المخططة والبيضاء التي تصل قيمتها إلى 8.0 تريليون ريال، فإنَّ قيمة الثَّرْوة العقارية الحقيقية بالمملكة تصل إلى 9.0 تريليون ريال.
ومن ثم، فإنَّ القيمة السوقية للقطاع العقاري السعودي في حقيقتها تعادل نحو (6) أضعاف القيمة السوقية لسوق الأسهم.. بِشَكلٍّ يجعله مركز القيمة الحقيقي بالمملكة.
- مستشار اقتصادي
Dr.hasanamin@yahoo.com