لدى إيران تاريخ طويل من دعم الجماعات التي تعمل بالنيابة عنها؛ من أجل تغيير التركيبة السياسية في دول المنطقة، والعمل على خلخلة المشروع الأيديولوجي لنهوض العرب، الأمر الذي يتواءم مع المخطط العالمي في المنطقة، ويخدمه. أما تنظيم القاعدة، فيعتمد على المصالح البراجماتية في علاقاته الدولية؛ لتحقيق أهدافه، ومصالحه.
إيران، والقاعدة، حليفان غير معلنان في الالتقاء عند المصالح لكل منهما، رغم اختلافهما الأيديولوجي، والعقائدي، باعتبار أن إيران تمثل بوابة الدخول والخروج لتنظيم القاعدة، وذلك من خلال امتدادها الجغرافي الهائل بين العراق، وأفغانستان، وباكستان، وبحر العرب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تصاعد حدة المواجهات المحلية، والإقليمية، والدولية في المنطقة، اقتضت أن تلجأ إيران إلى الحفاظ على منافذ أخرى، يضمن مصالحها، ومن ذلك: ضرورة العمل على إيجاد موطئ قدم جديد لنشاطات القاعدة، بعد طردها من مواقع عديدة في المجتمعات السنية.
وحتى ندلل على ما سبق، فإن كبار الناشطين في تنظيم القاعدة لجؤوا إلى إيران بعد سقوط حركة طالبان، ومكثوا في طهران منذ ذلك التاريخ، وكان سعد بن لادن - ابن زعيم تنظيم القاعدة - واحداً من هؤلاء، وعمل كوسيط بين القاعدة وإيران منذ العام 2001م. ويعتقدون - أيضاً - في صحة بعض التقارير الدولية، التي تتحدث عن دعم إيراني لما تسمى « دولة العراق الإسلامية «، وما تروجه بعض الدوائر، من أن هناك خطا مفتوحا إيرانيا لتهريب المقاومين إلى العراق عن طريق الجانب الإيراني، وأن المخابرات الإيرانية تلعب هذه اللعبة المزدوجة؛ لمصلحة الأهداف الفارسية التي لا تحدها مبادئ.
هذا التحالف الخطير، يستهدف المملكة العربية السعودية في المقام الأول؛ لأن تهديد استقرارها سيتيح لإيران السيطرة على منطقة الخليج. وتأمل ما نشر من تقارير عديدة في السنوات الأخيرة، يؤكد أن إيران - بالفعل - سعت إلى استخدام ورقة القاعدة في نزاعاتها مع دول أخرى مثل السعودية، وبحسب ما نقل عن القيادي السابق في تنظيم القاعدة محمد العوفي، الذي ظهر في الفيديو الشهير، وأُعلن من خلاله عن قيام « تنظيم القاعدة في جزيرة العرب « في عام 2009 م، بالتعاون مع إيران، التي قدمت دعما استخباراتيا لفرع القاعدة في اليمن. بل ذكرت تقارير سعودية، من ضمنها ما نشر في قنوات فضائية وصحف محلية، أن العوفي، الذي استسلم إلى السلطات في ذات العام، والذي أعلن فيه عن تشكيل فرع القاعدة في جزيرة العرب، قال: «إن إيران، ودولة أخرى، تتحكم استخباراتهما بتنظيم القاعدة».
ويؤكد ما سبق، ما نُشر في مواقع عالمية عديدة، ومن ضمنها موقع شبكة البصرة العراقية في 11 تموز 2008م، من أن تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية «مزيف»، وأن تبعيته الحقيقية هي لإيران، مؤكداً أن إيران اعتمدت في مخططها « التكتيكات الصهيونية والأمريكية، واستعانت بتجارب أجهزة مخابرات أخرى في تجنيد الجواسيس والعملاء، وكذلك استدراج قوى وطنية في منطقة الخليج العربي بأساليب مبنية على الخبث، والمكر، والخديعة، والتوريط».
لن تعترف إيران بهذه العلاقة الخبيثة؛ لأن خطابها الإعلامي يرتكز على التضليل، وإظهار التناقض المطلق بين المشروعين السني والشيعي. وهو ما جعل القاعدة لعبة بيد إيران، تستخدمها كورقة لتنفيذ سياساتها، حين مثلت ولادتها تحديا حقيقيا أمام أصحاب القرار في الدول العربية، إضافة إلى أن بند فقه المصلحة الإيرانية، تقتضي أن تتمسك بكل ورقة يمكن مساومة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية عليها. وهو ما يجعل تلك الدول في المقابل تلتزم باتخاذ أعلى درجات الدقة، والحيطة، والحذر في رد كيد أعداء الأمة العربية والإسلامية؛ لأنه ينبغي عليها أن تدرك أنها تتعامل مع عدو، يجيد بكفاءة المكر، والخداع، ويحسن الغش والاختفاء، بعد أن تخلى عن كل الصفات الإنسانية؛ لتعمل بمبدأ التقية الفارسية؛ لبلوغ أهدافها.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية