|
الجزيرة - منصور عثمان - سعود الشيباني / تصوير - عبدالله المسعود:
توقفنا في الجزء الأول من هذه الجولة عند وصول وفد «الجزيرة» لمسؤولية قطاع خباش ووداعنا للعميد سعد عماش العنزي مساعد قطاع شرورة بعد جولة استمرت زهاء (5) ساعات على قطاع شرورة ونبدأ معكم استطلاع واستكشاف فصول من جهود رجال حرس الحدود المرابطين على الثغر الجنوبي للوطن.
ما بين قطاع خباش ومدينة نجران تمتد مسافة (90) كيلومترا تقريباً وحدود المسؤولية قرابة (180) كليومتراً، وأخذت محافظة خباش هذا الاسم نسبة لـ»جبل قرن خباش» وترقد المحافظة الهادئة شرق منطقة نجران بجمالها الخلاب على امتداد الرمال الذهبية لصحراء الربع الخالي, التي تشكل متنفساً سياحياً لجمالها الطبيعي وتزدان بالخضرة الممتدة بامتداد خصوبتها وتتنوع فيها الزراعة خاصة الخضراوات بسبب وفرة المياه العذبة، وتعد المحافظة من أجمل المواقع الجاذبة لأصحاب الإبل. وتشكل الرمال المتحركة هاجساً مقلقاً لرجال حرس الحدود، لكونها تسهم في طمس آثار المهربين والمتسللين أي أنها تساعد في اخفاء آثار الجرائم والمخالفات.
رجال يقاومون الرمال المتحركة
عند دخولنا مسؤولية خباش، بدت لنا ملامح الضيافة والكرم الأصيل، وكأن المنطقة تنتظر هذه اللحظات لتعبر عن الفرح والترحاب، وبشاشة الاستقبال، وكان على رأس مستقبلينا قائد القطاع العقيد تركي الشهراني، حيث شرح لنا طبيعة المنطقة وخصائصها الجغرافية والأمنية، منوها برمالها المتحركة ووعورتها وملاءمتها للمهربين والمتسللين خاصة أثناء العواصف الترابية وتتكالب الرمال مع الغبار والأتربة لتطمس آثار المهربين، وتحجب الرؤية لإمكانية تعقبهم، أو معرفة اتجاه حركتهم، وبين لنا أن دوريات حرس الحدود يؤدون واجبهم وفق خطة أمنية مدروسة تساهم في لتصدي للمهربين، حيث نستخدم الكاميرات الحرارية المثبتة على السيارات، وكذلك الدرابيل الليلية، مشيراً إلى معدات العمل للسياج الذي ينفذ عبر منسوبي حرس الحدود (الإدارة الهندسية قسم الطرق).
وقال لنا العقيد الشهراني: لدينا رجال أمن متخصصون في المعدات الثقيلة، وأن الخراسانية التي تنفذ من قبل زملائنا ساهمت بشكل كبير في الحد من تجاوزات الحدود، وطوقت إلى حد كبير تلك التجاوزات وأوضح ان عمليات سفلة الطريق بدت بمشروع مشترك بين حرس الحدود والشركة المنفذة لمشروع السياج وأن العمل يسير على قدم وساق، لإنجاز المرحلة الأولى من المشروع.
رقابة أمنية رفيعة
مررنا بجوار مجمع الحرج التابع لخباش أمضينا وقتا للراحة، تناولنا خلاله القهوة وبعض المشروبات، والخضراوات من انتاج مزارع خباش، وهي تفوح منها رائحة الأرض وتبدو عليها ملامح الطبيعة وتم تزويدنا بمعلومات عن مهام المجمع الذي يتكون من مقار سكنية للضباط والأفراد ومطاعم وصالات ترفيهية ومقر توقيف للمهربين والمتسللين وكذلك غرفة عمليات تحتوي على كاميرات مراقبة لحماية مقر المجمع، ويتمتع المجمع بحراسات ووسائل اتصال لمنسوبيه، وعيادة طبية، وورشة لآليات حرس الحدود وشاهد وفد «الجزيرة» آليات ومعدات ثقيلة تنفذ عوائق ترابية للتصدي للمهربين وعمل سفلتة لطريق يقدر طوله بأكثر من 30 كيلومتراً، وتلك الجهود التي ينفذها أفراد دوريات حرس الحدود في تلك المنطقة تعبر حقيقة عن حب الوطن والتعامل مع الطبيعة لإنجاز مشاريع أمنية مهما كانت طبيعة الأرض ترفض التعاون مع حرس الحدود.
توزيع الدوريات حسب المهام
على الرغم من أن توزيع دوريات حرس الحدود يتم وفق خطة أمنية، وبموجب دراسة وتخطيط، لكن وفد «الجزيرة» لاحظ تواجد بعض الدوريات بكثافة في بعض المواقع التي لا شك لها أهمية أمنية خاصة، وكذلك لوحظ بشكل كبير وضع صبات بيوجرسي وعقوم وسواتر ترابية، فضلاً عن دور دوريات حرس الحدود في حماية عمال الشركة ونقاط تجمع المعدات وتمت مشاهدة المجمعات والمراكز وبوابات التفتيش التابعة للقطاع، كما تم استطلاع العوائق الأمنية والعوائق الجاري تنفيذها لحدود مسؤولية مجمعي (السيول والحرج).
كانت الجولة ممتعة على الرغم من تواصل حركة وفد الجزيرة وتنقله من موقع الى آخر، لكن ما شاهدناه من جهود، ومن حركة دائبة للحياة كان يأخذ أبصارنا إلى عالم يمور بحب الوطن وجهود ترفد الوفاء لهذا الوطن العظيم والسعي لتأمين كل ثغر من ثغوره مهما كانت وعورة الأرض أو شدة المناخ، وقسوة الطبيعة.
الرحلة تتواصل، والاستطلاع لا ينقطع، ومتعة الأنظار مستمرة، وصلنا مدينة نجران بعد صلاة المغرب من يوم الاحد وتم نقلنا لموقع ضيافة حرس الحدود بمنطقة نجران ويرافقنا العقيد الشهراني وعدد من الضباط من بينهم المتحدث الرسمي لحرس الحدود بنجران النقيب علي بن عبدالله القحطاني وبعد فترة قصيرة من الراحة انتقلنا إلى مجلس وهو عبارة عن بيت شعر يتواجد به عدد من الضباط وقائد حرس الحدود بمنطقة نجران اللواء محيا بن عطالله العتيبي، وتزامن حضورنا مع وصول طائرة عمودية تابعة للطيران الأمني بوزارة الداخلية قادمة لتنفيذ مهمة أمنية لحرم الحدود عبر طلعات جوية ليلية ونهارية.
استقبال وفد «الجزيرة» بحفاوة
واستقبل اللواء محيا العتيبي وفد «الجزيرة» بحفاوة وتكريم يعكس مدى اهتمامهم بالصحافة ورسالتها، ويعبر عن مدى تقديرهم للكلمة، وتناولنا العشاء معهم وعند الساعة العاشرة، تحركنا مرافقين لعدد من دوريات حرس الحدود يتقدمهم اللواء محيا العتيبي ومدير إدارة الأمن والاستخبارات بالمنطقة وقائد قطاع سقام العقيد صالح بن عبدالله القحطاني واستمعنا لشرح واف من اللواء محيا ونحن في موقع استطلاع على أحد سفوح الجبال الحدودية التي يقدر ارتفاعها بـ(2058) متر فوق سطح البحر، الموقع مزود بكشافات (اضاءة) مثبتة يتم تحريكها من فترة إلى أخرى الهدف منها تعطي أمانا للدورية وتقوم بتخويف للمتسللين والمهربين كما ترصد الكاميرات والدوريات تحركات من يحاول التسلل أو التهريب من وإلى مدينة نجران، فيما أكد اللواء العتيبي ان منطقة نجران تتبع لها اربعة قطاعات هي قطاع سقام وخباش وشرورة ووحدة الأمن والاستخبارات وتتبعها عدة مراكز بطول امتداد مسؤوليات المنطقة. مؤكدا ان إدارة الأمن والاستخبارات تساهم في جمع المعلومات والمشاركة في العمليات الأمنية وتمثل دعماً ومساندة للمراكز.
ومن أبرز المواقع التي تغطيها عمليات دوريات حرس الحدود، سقام وعاكفة والصراح وقرى المفوجة والسد ومجمع سرو سقام والتدريب وبئر عسكر فيما تندرج تحت خباش تنصاب وقرن خباش والسيول ومجمع الحرج، أما شرورة البتراء والنوت والوديعة والمعاطيف وام غارب وام الملح والخرخير والخور والمهولة، وتشمل مهام وحدة الدوريات تأمين الخطوط الخلفية والأمامية التي تعتبر مغطاة بالكاميرات الحرارية الثابتة وتغطي مساحة تقدر بـ(10) كيلو مترات، والكاميرات المتحركة والنواظير الليلية.
نواظير ليلية متطورة دخلت الخدمة قبل شهر
ومن الآليات التي تسهم في تسهيل مهام دوريات حرس الحدود تلك النواظير الليلية التي دخلت الخدمة قبل شهر من الآن تقريباً، حيث يمكن لرجال حرس الحدود تمشيط المواقع بدون تشغيل الأنوار للدورية، حيث تصل دقة الرؤية لـ(500) متر، وهذا أسهم في القبض على المتسللين الذين حال مشاهدتهم للدوريات يختبئون ظناً منهم ان الأنوار الدورية معطوبة وبهذا التمويه يتم القبض عليهم بكل سهولة.
وقام وفد «الجزيرة» باستخدام النواظير الليلية الحديثة، لمعرفة طبيعة عملها والمردود الناتج عن استخدامها، ولاحظ الدقة في رصد كل شيء يتحرك أو ثابت، ويبدو الأمر وكأنه في وضح النهار، كذلك شاهدنا كيفية ترصد حالات التسلل والتهريب من قبل الكاميرات الحرارية الثابتة، التي دخلت القطاع منذ سنوات.
في لحظة سريعة الكل حمل سلاحه
تسهم هذه النواظير بشكل كبير في رصد حالات التجاوزات على الحدود، حيث يتم تخزين زملائهم المتواجدين بالميدان بأرقام تتعرف عليها الكاميرات حال الاستعراض على الخطوط الأمامية، ولحظة وجودنا بالموقع رصدت الكاميرات الحرارية تسلل شخصين على مسافة تقدر بـ(9) كيلومترات ولحظة الرصد والإعلان عن وجود شخصين متسللين تغيرت أوضاع وحركات الضباط والأفراد، حيث انطلقوا بسرعة وحملوا أسلحتهم الرشاشة وتغيير الوجيه وانتشروا بطريقة سريعة وعجيبة وكأن المتسللين بحوزتهم أسلحة رشاشة ومخططون لمداهمتنا، وتم توجيه الفرق الميدانية التي باشرت الموقع بخمس دوريات وتم القبض عليهما وأعلن حالة انتهاء الطوارئ وعاد الضباط والأفراد بعد ان وضعوا أسلحتهم في دورياتهم، وقال أحد الضباط المكلف بمهمة الموقع نحن نستعد بسرعة في حالة رصد متسللين أو مهربين والكل منا يحمل سلاحه لدواع أمنية، مؤكداً أنه ربما يكون هناك هجوم مسلح على مواقع المراقبة وتم إرسال أشخاص لعمل مسح أمني لهم أو تغيير أنظار رجال الأمن عن تسلل مهربين خطير أو مسلحين من مكان آخر، ولم نستطع الوصول إليهما بسبب بعد الموقع ووعورة التضاريس، وأخبرنا رجال حرس الحدود بأن المتسللين ليس بحوزتهما أسلحة أو ممنوعات.
الزميل الشيباني يتقمص شخصية متسلل
وكثيراً ما يلجأ رجال حرس الحدود في بعض المواقع التي يصعب الوصول إليها من قبل الدوريات واستهدافها من قبل المهربين والمتسللين إلى (مشعل ضوئي) وهذا الجهاز دخل الخدمة مؤخراً ويتم ربطة بسلك دقيق ويصعب رؤيته ويمتد هذا السلك لمسافة تقدر بـ(400) متر وفي حالة محاولة المرور للمتجاوزين حرم حدود المملكة يحتك بهذا السلك الموصل بجهاز يصدر منه صوت وإضاءة تقدر مساحتها بـ(400) متر تشاهد من اي شخص حاول دخول حرم الحدود. وخلال تواجدنا بالموقع تقمص المحرر الأمني سعود الشيباني شخصية متسلل محاولاً تجاوز المنطقة التي وضع بها المشعل الضوئي ويحتك بالسلك الموصول، ويشتعل المشعل الضوئي ليعرف الوفد الإعلامي المهام التي يقدمها هذا الجهاز لرصد متجاوزي الحدود.
التعامل مع المخالفين بإنسانية
بالرغم من وعورة المنطقة وبعدها عن عيون الناس وضجيج المدينة والمارة إلا ان رجال حرس الحدود يتميزون بشجاعة ويتعاملون مع الحدث بطرق إيجابية ويتعاملون مع المخالفين للأنظمة معاملة حسنة لكونهم يقدرون الناس حتى ولو تجاوز الأنظمة وحمل بحوزته المخدرات التي تدمر اقتصاد وعقول أبناء الوطن، وبمجرد القبض عليهم يعاملون بإنسانية، ولا يتعرضون لأي نوع من الأذى أو الحرمان من وسائل الحياة وعدم تعرضهم للخطر، بل يكونون في مأمن حتى يتم الإجراء القانوني بحقهم، مهما بدر منهم من وسائل الخداع أو المخالفات أو التجاوزات، لأن المخالف - في نظر حرس الحدود - بعد القبض عليه أصبح في ذمة حرس الحدود.
(95%) من الحدود تحت السيطرة باستخدام التقنية
امتدت جولتنا التي انطلقت عند الساعة العاشرة مساء إلى الساعة الواحدة والنصف فجراً، وأكد اللواء العتيبي لوفد «الجزيرة» ان دورياتنا لها (3) خطوط من أبرزها وأهمها الكاميرات والنواظر الليلية، وقال لدينا خطوط أمامية وخلفية وإستراتيجية واعتراضية تساهم جميعاً في الحد من تجاوز الحدود.
وبيّن اللواء محيا العتيبي ان حرس الحدود يتلقى الدعم والمتابعة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية الذي يشارك أبناءه في أفراحهم وأتراحهم وهذا ينعكس إيجابياً على رجال حرس الحدود، كما أن أهالي منطقة نجران متعاونون بما يعود بالنفع للمنطقة ومعروف عنهم الكرم والشجاعة والحرص على التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم.
السجن عامان لمن اخترق أمن الحدود
لا يتوقف دور حرس الحدود في المتابعة والرصد وحسب، بل تمتد مهمته إلى ما بعد القبض على المخالفين، ونيلهم الجزاء العادل، وفي هذا الصدد أكد اللواء العتيبي أن حرس الحدود يطبق بحزم نظام أمن الحدود على المتسللين والمهربين ومن تورط في نقلهم يضاف إليه الحكم الشرعي الذي يصدره ناظر القضية، مشيراً إلى ان من يتم ضبطه متجاوزاً الحدود يتم سجنه عامين ويتضاعف حسب تكرار المخالفة.
وأضاف اللواء العتيبي: خلال الأربعة الأشهر الماضية تم القبض على (237) مهرباً بحوزتهم مخدرات وأسلحة نارية، ويقدم حرس الحدود الإعاشة اليومية لمن يتم القبض عليه وكذلك يتم علاجهم في حالة تعرضهم إلى مرض.
وعند الساعة الثانية منتصف ليلة الاثنين الماضي، وبعد رحلة زاخرة بالعجائب، والتعب والمتعة، والوقوف على جهود مخلصة من حراس الوطن، وصل الوفد الإعلامي لمقر الضيافة، ليلتقط قسطا من الراحة، وودع اللواء العتيبي والضباط وصف الضباط لمقابلتهم صباح يوم الاثنين لاستكمال سيناريو الجولة القادمة، ولسان حال الوفد يعبر عن دهشته للدور الكبير الذي قام به رجال حرس الحدود خلال السنوات الماضية دون ضجيج إعلامي، بل هو عمل كبير في صمت يدثره الإخلاص والوفاء لوطن الوفاء.
تفاصيل جولة قطاع سقام - بكل مفاجآتها المثيرة - في الجزء الثالث