الخطامة بلدة تقع في سدير شمال العاصمة الرياض، ما رأيت حقيقة بلدة أهلها متماسكون متكاتفون مثل هذه البلدة؛ إذا رأيتهم قلت إنهم أبناء رجل واحد وعلى قلب رجل واحد، تحبهم منذ أن تعرفهم من الوهلة الأولى، عن ماذا أتحدث عن أهل هذه البلدة؟ مهما كتب قلمي ومهما سطرت أناملي فلن أوفيهم حقهم تحدث عمّا شئت عن التكاتف، تحدث عمّا شئت عن الترابط، تحدث عمّا شئت عن الكرم، تحدث عمّا شئت عن الشهامة، تحدث عمّا شئت عن الرجولة.. فلأهل هذه البلدة من هذه المعاني الراقية السامية أوفر الحظ والنصيب.
وقد خسرت هذه البلدة ابنها البار سعادة الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالرحمن بن علي المغامس الذي اجتمعت فيه تلك الخصال كلها أحسبه كذلك، أهل بلدته يحبونه، ومن زار هذه البلدة أحبه، من قابله وتعامل معه أحبه، إنك حينما تصلي في جامع الخطامة ويراك أبو عبدالرحمن فلن تفلت منه إلا بشق الأنفس يعرض عليك الضيافة ويصر عليك، بل إنك لن تفلت من جماعة الجامع واحداً تلو الآخر كعادة أهل سدير عموماً، فهم أهل الكرم والضيافة كما قال فيهم شاعر سدير إبراهيم بن جعيثن - رحمه الله-:
وإن جا الضعيف بارد الكف ومعيل
يمشي على الرجلين ما له ازماله
قليل شوف يشتكي من ردا الحيل
ما له حلال ويستحي من ظلاله
جار(ن) لسمحين الوجيه المناويل
أهل سدير أهل السخا والجزالة
ربع (ن) يسلونه بزين التعاليل
وكل يوسع خاطره بالنزاله
بروح وركابه تهادي من الشيل
من شاف حاله قال يا كثر ماله
مع ذا تراهم للخواطر بهاليل
لأهل النضا والليل ذلوله نعاله
يلقى دلال(ن) باشقر البن والهيل
تفوح مع طيب النبا والسهاله
من عقب هذا السمن ومفطح الحيل
كل يحشمونه على قد حاله
رجالهم لو ماله إلا المعاميل
لا بد مع ضيفه يسوي جماله
جدانهم جادوا وحنا مواصيل
ومن مات يظهر من عياله بداله
ربعي وأنا منهم كثير المداخيل
من لامني فيهم عسى الشر فاله
يستاهلون المدح جيل بعد جيل
واللي يماريهم فهو من اهباله
يا كثر ما مدحوا وياما بهم قيل
للضيف راعي سدير خله إلحاله
هشين بشين(ن) عدل(ن) عن الميل
سمحين وبضده لراعي الجهاله
أقول شوف العين ما هو دهاويل
ما جيب لي نقل بخط الرساله
هذا الشهم وهذا الرجل وهذا الجبل: محمد بن عبدالرحمن المغامس غيَّبه الموت عنَّا في يوم الثلاثاء الموافق 19-2-1434هـ ويعلم الله كم تأثرت بوفاته وفقده لأني أحبه، لكن هذي هي سنّة الله في خلقه وهذه هي الدنيا اجتماع وفرقه كما قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، وصدق أبو الحسن التهامي حينما قال في مرثيته الجميلة الرائعة التي تعتبر من عيون الشعر:
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
حتى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار
أبكيه ثم أقول معتذراً له
وفقت حين تركت الأم دار
رحمك الله يا أبا عبدالرحمن وجعلك في قبرك فرحاً مسروراً وجميع موتى المسلمين، لأني أحبك وأقدّرك سطّرت لك ولأهل بلدتك ولأهل سدير هذه الكلمات، جمعنا الله بك في جنات النعيم.
محمد بن سليمان البريه - حوطة سدير