بالتزامن مع اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1434هـ عقد في أوائل هذا الأسبوع بالمدينة المنورة المؤتمر الرابع للأوقاف بالتعاون بين الجامعة الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف. وكان واضحا من محاور المؤتمر الأربعة (التنظيمي التشريعي والإداري
والاستثماري والتثقيفي) ومن قيام مؤسسة أكاديمية مرموقة هي الجامعة الإسلامية بالإشراف على المؤتمر أن درجة عالية من الاهتمام والجدية والجهد العلمي تقف وراء عقد المؤتمر، وأن هناك تطلعات موضوعية ترجو الكثير من نتائجه.
إنه المؤتمر الرابع، فقد سبقه إذن ثلاثة مؤتمرات، وقبله أيضا عقد العديد من الندوات التى ناقشت موضوع الوقف.
ولا ريب أن اتساع دائرة البحث والمناقشه فى شؤون الأوقاف قد وسعت أيضا من دائرة الوعي والاهتمام بها.
لكن الاهتمام بالوقف ودوره التنموي قد زاد فى الواقع منذ انخفاض اعتمادات ميزانية الدوله ابتداء من عام 1405-1406هـ نتيجة لانخفاض إيرادات النفط، وانتبهت بعض الجهات - لا سيما الخدمية مثل وزارة الصحة - إلى أهمية الوقف (وغيره من الأعمال الخيرية) كمصدر من مصادر التمويل الرديفة.
ونجد نموذجا لذلك فى النظام الصحي الذى صدر عام 1423هـ حيث جاء فى مادته العاشره أنه: (يتم تمويل خدمات الرعاية الصحيه بالطرق الآتيه: 1- الميزانية العامة للدوله، 2 - إيرادات الضمان الصحي التعاوني، 3- الوقف والهبات والتبرعات والوصايا وغيرها؛ ونموذجا آخر في الاستراتيجية العامة للرعاية الصحية بالمملكه التي أعدها مجلس الخدمات الصحية واعتمدها مجلس الوزراء عام 1430هـ حيث إن الأساس الأول الخاص بالتمويل نص في البند الثالث من السياسات على تفعيل النشاط الأهلي الخيري وأموال الأوقاف في إنشاء وتجهيز وتشغيل المرافق الصحية ودعمها.
وقد سعى وزير الصحة السابق معالي الدكتور حمد المانع إلى التفاهم مع معالي الدكتور صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف حول إنشاء صندوق للوقف الصحي من أجل تحويل الأفكار إلى واقع ملموس، فكان من نتيجة ذلك توقيع مذكرة تفاهم حددت معالم الفكرة، وتحولت بعد المرور عبر هيئة الخبراء ثم مجلس الشورى إلى تنظيم اعتمده مجلس الوزراء في شهر محرم عام 1429هـ.
لكنه بقي حبرا على ورق وظل مركونا بانتظار الانتهاء من مشروع هيئة عامه للأوقاف؛ ولكن الأنشطة الوقفية عموما لم تتوقف إما على شكل مبادرات فردية من بعض رجال الأعمال، أو بتشجيع لهم من ولاة الأمر (انظر مثلا إلى العمائر الضخمة التي تحيط بجامعة الملك سعود وكراسي الأبحاث فيها وفي غيرها).
وفي 12-5-1431هـ صدرت موافقة مجلس الوزراء على إنشاء الهيئة العامة للأوقاف.
وفكرتها جيدة؛ إذ هي كما صرح معالى وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف لصحيفة الجزيرة في العدد 13910 بعد ستة أشهر تقريبا من إنشاء الهيئه - هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، كما أنه سيتولى العمل فيها أناس تخصصهم المال والاقتصاد، بحيث لا تكون الجهة (يعني الهيئة) شرعية تماما وإنما تكون جهة مالية وشرعية.
وفي الوقت الحاضر فإن مشروع النظام الأساسي للهيئة الذي أعدته وزارة الأوقاف معروض أمام مجلس الشورى، وعند مناقشته فى جلسة يوم الأحد 12-5-1434هـ قرر أعضاء المجلس إحالته إلى لجنة خاصة تتكون من شرعيين وقانونين وماليين بسبب ملاحظات على الصيغة المطروحة.
ومنذ صدور تنظيم الوقف الصحي مضى أكثر من خمس سنوات؛ وقد كان يحمل من الأفكار ما يصلح لكل وقف وما يتم نقاشه الآن، سواء في هذا المؤتمر أو غيره.
فإنه وفقا للمادة الرابعة من التنظيم تتكون موارد الصندوق مما يأتي: 1- الأموال النقدية والصكوك المالية والأسهم والأعيان التي يوقفها أصحابها لأغراض الصندوق، 2- التبرعات النقدية والعينية، 3 - غلال أوقاف الصندوق واستثماراتها، 4 - الإيرادات المحصلة من استثمارات الصندوق أو من تشغيل المرافق الصحية التي يشرف عليها، 5 - ما تقرره الدولة من إسهامات نقدية أو عينية، كالأراضي وغيرها.
وحسب المادة الخامسة فإن للصندوق أن ينشئ شركات أو مؤسسات لخدمة أغراضه.
وفي مؤتمر الاتجاهات الحديثة في الإدارة الصحية الذي عقد بمدينة الرياض ما بين 9 و 11 ربيع الآخر المنصرم تناول المتحدثون فى جلسة خاصة بإدارة العمل الصحي الخيري موضوع الأوقاف الصحية من زاويتين: زاوية الإدارة الذاتية المستقلة في إطار قانوني واضح تتمتع فيه بمرونة القطاع الخاص والبعد عن العوائق البيروقراطية وترسخ دور المشاركة الأهلية في خطط التنمية الصحية؛ ومن زاوية اقتصادية تركز على آلية استثمار الصندوق لموارده بواسطة شركة متخصصة، ليتولى الصندوق إدارة صرف الريع على أغراض الوقف (الصندوق الاستثماري).
ولا أصر هنا على القول إنه لو تم تفعيل تنظيم الوقف الصحي في حينه لكنا اليوم ننظر إلى تجربة ناضجة تتيح لنا الحكم على فعاليتها والتعلم من نتائجها.
ذلك أن الاهتمام القوي الواضح إلى نراه اليوم - سواء من خلال مؤتمر المدينة المنورة أو من خلال مناقشة نظام الهيئة العامة للأوقاف بمجلس الشورى يريحنا من الحاجة إلى قول لو، ويجعلنا نأمل في أن لا يطول وقت الأخذ والرد قبل قيام الهيئة بمهامها في تنظيم وإدارة واستثمار الأوقاف.
فإن الوقف يعد عماد الحياة الاجتماعيه - كما قال سماحة المفتي العام فى كلمته التي وجهها إلى المؤتمر.
ولأن أغراض الأوقاف مختلفة ومتنوعة ومحددة غالبا من الواقفين فإن الهيئة بحكم كونها هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري تستطيع إنشاء وحدات وقفية (صناديق) متخصصة.
وكما يحق لنا أن نتفاءل بالخير لعلنا نجده، والوقف كله خير، فكذلك نتفاءل بالوقف، لعلنا نجده عما قريب في شكل تام التنظيم وتحت إدارة مستقلة كفؤة.