قبل أشهر تشرفت وزملائي بجريدة «الجزيرة» بالتحاور مع وزير العمل المهندس عادل فقيه، وحينما سألناه عن موضوع التستر، وكيفية القضاء عليه، أتذكر أنه قال لنا بتفاؤل، إننا سنشهد حلاً جيداً لذلك بعد ستة أشهر، ورغم أنني وقتها شعرت أن إجابته هي تهرّب دبلوماسي متوقع، إلا أنني أفكر الآن بأن ما يحدث خلال هذين اليومين من حملات مداهمة وملاحقة العمالة غير النظامية هو ما لمح إليه الوزير وقتذاك.
يقول البعض متشككاً ومتشائماً إن الحملة جاءت تجهيزاً لعمل شركات تأجير العمالة، التي يمتلكها متنفذون، ويقول الآخرون إن مداهمة المستشفيات والمدارس في هذا التوقيت، سيصيب هذين القطاعين بالشلل الجزئي أو التام!
ورغم كل ما يمكن أن يقال من تفسيرات وتوقعات لهذه الحملات المنظمة، أجد أنها خطوة مثالية تأخرت كثيراً، ولعلها أظهرت لنا العديد من المفاجآت غير المتوقعة، كأن تكون معظم المستشفيات غير الحكومية، والمعروفة جيداً بإمكاناتها وقدراتها المالية والإدارية، وغيرها من المدارس الأهلية الشهيرة، تؤوي العديد من مخالفي ومخالفات أنظمة الإقامة في البلد!
فإذا كانت هذه المؤسسات والشركات الضخمة تزخر بمثل هؤلاء، ماذا يمكن أن يحدث لدى المؤسسات الصغيرة التي تسعى إلى ارتكاب كل المخالفات في سبيل تحقيق الأرباح؟
يقول أحد المغردين في تويتر: أدت حملة الجوازات إلى إغلاق مدرسة ابنتي لثلاثة أيام، إلا أنني مستعد للتضحية ببقية عامها الدراسي من أجل مستقبل مشرق لها. صدقت والله، لأن أولى الخطوات الوقائية السريعة هي هروب هؤلاء المعلمات غير النظاميات، وحضور عشرات، بل مئات الجامعيات السعوديات العاطلات، لإحلالهن مكان الوافدات غير النظاميات، وهذه أولى بشائر الخير لبنات الوطن.
ولعل من أجمل الرسائل المضحكة التي بعثت بها إدارة إحدى المدارس الأهلية إلى أولياء الأمور ما يلي: بناء على زيارة لجنة التقييم من وزارة التربية والتعليم والمتضمنة إضافة بعض التعديلات على المبنى، وحيث تتم التعديلات نرجو منكم عدم إحضار أبنائكم حتى يوم السبت القادم!
هل أنتم تجرون التعديلات على مبناكم، أم على فوضى التعاقد لديكم؟ هل الحديد والخرسانة هي ما تحتاج إلى التعديل أم عقولكم غير الأمينة على أوطانكم؟
يا سادة يا كرام، ملاك المستشفيات الخاصة، والمدارس الأهلية، والمؤسسات والمحال والمتاجر، من تشغّلون من لا يملك إقامة نظامية، ولا يملك تأشيرة عمل، وأطلقتم أيديهم في اقتصادنا، أنتم تعبثون بأمن وطمأنينة بلدكم، فكفّوا عن ذلك!
وأخيراً، أن تأتي المفاجأة بأن أكثر من نصف العاملين والعاملات في القطاع الخاص هم من مخالفي نظام الإقامة يفتح السؤال ولا يقفله: لماذا؟ هل المشكلة ترتبط بأصحاب رؤوس الأموال الذين يبحثون عن أسهل الحلول وأوفرها؟ أم بسبب تقييد وزارة العمل لهذه الجهات وقطاعات الأعمال وعدم منحهم التأشيرات الكافية؟ أم لانتشار العمالة غير النظامية بسبب فساد نظام العمل أصلاً، وحدوث ما يشاع عن بيع مئات الآلاف من التأشيرات؟ أم أن عدم حفظ حقوق هؤلاء العمالة مع كفلائهم جعلهم يهربون ويعملون لدى الغير بطريقة غير نظامية؟
أعتقد أن الأمر أكثر تعقيداً من مجرد حملة عابرة!