قبل 366 سنة ولدت العالمة «ماريا سبيلا ميريان» الألمانية التي التفتت في يفاعتها للحشرات..
تتبعت بحس فنان، وإدراك واعٍ دقة التكوين الإلهي في هذه الكائنات..
وقبل أن يعي أندادها الخروج عن طوق الطفولة، خرجت هي في بدء رسوماتها عن حياض اليفاعة ولمضامير المدركين..
وغدت باهتمامها بهذا الجزء من مخلوقات الله عالمة في الحشرات..
تركت من ثم للبشرية خريطتها العريضة، بكل جزيئة في مراحل نشأة الحشرة, حتى نفقها الأخير..
«ماريا» ليست أول من تخرِّجه ألمانيا من مبدعي العلم، والفكر, والأدب, والفن, والطب، والفلسفة..
فهي بيئة تنمية للمواهب.., واستدامة لدافعية الإبداع.. والبقاء..
لحقنا منها أن أوائل بعثات الأطباء السعوديين كانت لهناك، وكما نعلم أنهم كانوا من أميز الفاعلين في المجال، حين عادوا رعيلاً أولاً على أيديهم كان المرض يتكور في خانة الاستعداد للرحيل..
لا يُذكر طبيب بارز إلا هو من خريجي ألمانيا..
أخص منهم الدكتور فالح الفالح عميد كلية الطب في جامعة الملك سعود ووكيلها سابقاً، كان ولا يزال من عناصر لا تغفلها عيادات الباطنية في الوطن من يتصيد السبب بهدوء الأسئلة ولماحية التشخيص.. وزميله الدكتور محمد الغريميل الذي كان مديراً لمستشفى اليمامة، ورئيساً للجنة الطبية بوزارة الصحة المتميز بوعيه وإداراته، وزميلنا في الجزيرة الدكتور جاسر الحربش اللماح الدؤوب.. وعشرات غيرهم.. ممن نعرف، لا نعرف، وممن يعرفهم الوطن..
ولأن ذكرى عالمة الحشرات قد فضتها أمس الصفحة الرئيسة للعزيز (جوجل).. فقد تماهت ذكريات القراءات الأولى في مهد الذائقة جوتة شاعر ألمانيا الكبير, ومسرحيته الشهيرة فاوست، وآلام فرتر التي لا تزال تنبعث إيقاعاتها الدفينة, وآثار فريدريتش شليجل, وجونتر كونرت, والأخوان ويلهلم.. وكافكا وإبسن والعديد المنتخب من علمائها وموسيقييها، الذين هم أصلاً منها، أو أولئك الذين نشأوا وأبدعوا فيها مثل بيتهوفن، وباخ، وفاقنر, ومن التشكيليين مثل فريدريش، والبرخت، ومن الفلاسفة كانط ونيتشة وسواهم.. سواهم كثر..
تعايشنا طويلاً مع إبداعاتهم.. ونشأنا مع طيوفهم..
وترافقنا في مسيرة القناديل وحفيف الشجر.. ورحلات الضوء معهم..!
ومع كل روافد الفكر البشري في شتى أصقاع الأرض حيث كان.. ويكون..
وتخيرنا اتجاهنا..!!
إن المجتمع البشري الذي يمد الذاكرة..
ويؤسس للإبداع..
ويبقى مع الترحل رفيق المحطات..
وهو مستقر لا ينازعه سهو..
تمتد أشجاره وارفة.. مخضرة.. نامية.. متكاثرة..
تظلل لأبعد مما تقف القدم..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855