يقال في الأمثال: من يعلو صراخه عند الحوار والمجادلة فإنه الأضعف بين المتخاصمين، ذلكم لأنه يفقد ذخيرته من الحجج والأدلة الدامغة للخصم فترتفع عنده وتيرة الانفعال، ومع تزايد الغضب والشعور بالهزيمة تعوزه الحكمة والمنطق فينفلت اللسان ببذيء القول وساقط العبارات مع صراخ أهوج قد يتبعه تصرفات جسمانية بالأيدي لإيذاء الطرف الآخر وهذه بمثابة اعتراف نهائي بالهزيمة، وفي الملاعب الرياضية نشاهد صوراً مماثلة غير أنها تبدأ مباشرة بلغة الجسد لأن الجدال اللفظي يمنع بين اللاعبين أثناء مجريات اللقاءات الرياضية، فحين يشعر بعض أفراد الفريق الأضعف أنهم على وشك الهزيمة يرتفع عندهم الضغط الذي يوفز الأعصاب فيفضي إلى ارتكاب أخطاء تؤذي الخصم وينال عليها المخطئ بطاقة الجزاء المناسب فيسيء بالتالي لنفسه ولفريقه الذي يتلقى مثل هذه التصرفات ـ لا شعورياً ـ وكأنها إعلان مبكر للهزيمة وهذا منتهى الإحباط الذي يكرّس الهزيمة الفعلية في نهاية اللقاء، وفي نظري أن البطاقة الصفراء أو الحمراء التي يشهرها حكم اللقاء بحق مرتكبي الأخطاء من اللاعبين هي علاج آني أثناء المباراة ويجب أن يتبعه علاج حاسم بعدها، لاسيما الأخطاء المتعمدة وشبه العمد، كأن يعمد لاعب إلى إيذاء لاعب آخر في عينيه أو كسر ساقه أو بلكمة من الكوع على الأذن، أو أن يسقط اللاعب نفسه متهماً خصمه بإسقاطه زوراً وكذباً، ونحو ذلك مما يتقنه لاعبون اشتهروا بهذه الممارسات رغم تلقيهم للجزاءات من داخل الملعب فهم لازالوا يمارسونها لشعورهم بأن العقاب أخف من أن يؤثر على مستقبلهم الشخصي دون اعتبار لمستقبل أنديتهم والمنتخبات الوطنية وسمعة الرياضة في المملكة بشكل عام، فالحس الوطني عند البعض غائب تماماً في هذا المضمار ولا يفكر إلا بقيمة عقده مع النادي، بل إن منهم من يظن أن تصرفاته الرعناء ترضي شريحة من الجمهور المتفرج، وهي وإن كانت كذلك عند فئة من السذج فإنهم لا يلبثوا أن يتعرفوا على العكس وهم يشاهدون رموز اللعبة بأخلاقهم (هنا) وفي الفرق العالمية فيغيروا مفاهيمهم تجاه اللاعب وممارساته، والرأي المتداول هو أنه لابد من وقفة حازمة مع هؤلاء اللذين يسيئون لرياضة بلادهم ويؤذون الآخرين في منافسات يفترض أنها شريفة هدفها الرقي باللياقة الجسمانية للشباب وتهذيب عقولهم وتربيتهم على نزاهة النفس ونبل المقصد وصدق التعاطي مع مثل هذه المنافسات وغيرها، فما هي إلا نموذج لمنافسات متعددة يواهها الشاب في مسيرة حياته العلمية والعملية، فهي ترويض وتربية جسمانية عقلية نفسية، فالأخلاق والتهذيب جزء هام وأساس في المنظومة الرياضية، ما قيمة كل هذا الكيان الرياضي والكروي إذا فقد عنصر الذوق والآداب وحسن الخلق، وأثر مثل هذه التصرفات على الناشئة وتعودهم على هذه المشاهد، المأمول تنظيم دروس ومحاضرات وبرامج تربوية توعوية للطلاب والصغار للتنبيه إلى مساوئ الكذب والتزوير والتبلي على الغير مع تطعيم البرامج الرياضية والدعوية بجرعات من تحبيب المبادئ الإسلامية الداعية للمثل العليا، الرياضة باتت جزءا من حياة الشباب ومثل هذه الأخطاء (العدوانية) يجب أن لا تنسى عند صافرة النهاية بل تنتقل إلى جهات الاختصاص بتطبيق العقوبة لتكون قاعدة يسار عليها لتعزيز النزاهة.
t@alialkhuzaim