ليس في عالمنا العربي المعاصر في تقديري أشد شراسة ودموية وفتكا وقمعا ولصوصية من نظام الأسدين الوالد و الولد. ولا أظن أن ثمة نظام سيبلغ ما بلغه هذا النظام الدموي الفاسد. لذلك لا أعتقد أن هناك من يقف مع هذا النظام على طول العالم العربي وعرضه، اللهم إلا المستفيدين من النظام في سوريا ولبنان، إضافة إلى إسرائيل.
سقوط النظام الأسدي هو أمنية كثير من العرب وخاصة السوريين واللبنانيين، فمنطقة الشرق الأوسط لن تعرف الاستقرار والهدوء إلا بعد أن يلحق هذا النظام الدموي بسَلفيه وقرينيه نظام صدام ونظام القذافي. كما أن انتهاءه سيبعد إيران عن منطقة الشام، وسيُعرقل مساعيها في التوسع غرباً في اتجاه سواحل البحر الأبيض المتوسط، وهو هدف إستراتيجي لإيران، وفي المقابل فإن إيقافها هدف استراتيجي لأغلب دول المنطقة ما عدا العراق.
القاعديون وتمثلهم جبهة النصرة هم بلا أية شك لا يقلون شراسة ودموية وتخلفا وهمجية عن نظام الأسد وإن كان تحت ذريعة وعناوين أخرى، فإذا كانوا هم من سيأتي بديلاً للأسد فسوريا ستتحول إلى أفغانستان أو الصومال قطعاً. ويبدو أن حضور جبهة النصرة وبقية المنظمات الجهادية في سوريا هو سبب تحفظ الغرب، خاصة فرنسا، في دعم الثوار بأسلحة نوعية تُعجل بسقوط النظام، خشية من أن تنتهي هذه الأسلحة في أيدي الجهاديين. ولا أعتقد أن بقية دول المنطقة، وفي مقدمتهم إسرائيل طبعاً، سيسمحون - مهما كان الثمن - أن يكون النظام البديل للأسد جهادياً؛ لذلك فإن القيادة السورية الانتقالية التي تولت مؤخراً الشق السياسي للثورة السورية مطلوب منها أن تجد حلاً من شأنه تحجيم الجهاديين وإبعادهم عن الصورة، من أجل إقناع الغرب بالدعم، والحصول على السلاح وإسقاط النظام. ويبدو أن تحقيق هذه المعادلة مستحيلة، فالجهاديون كما تؤكد كثير من التقارير هم من يتصدّى فعلياً للجيش النظامي، وتتدفق عليهم مجاميع الأجانب المجاهدين من خارج سوريا؛ وهؤلاء محاربون أشاوس ومقاتلون أشداء، لكنهم في السياسة ومقتضياتها يغرقون في شبر ماء، ما يجعل إمكانية التنسيق معهم سياسياً متعذرة تماماً؛ فضلاً عن أنهم أصلاً لا يعترفون بالجناح السياسي للثورة خارج سوريا ولا يأتمرون بأمره. وفي الوقت نفسه فإن بقاء المعارك بين النظام والثوار تراوح مكانها كما هي عليه الآن، قد تنتهي بمفاجآت غير محسوبة؛ فقد تدخل أطراف أخرى كإسرائيل - مثلاً - إلى المعركة، متى ما وجدت أن ترسانة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية قد تقع في أيدي الثوار المجاهدين وهو احتمال وارد بالمناسبة؛ في هذه الحالة ستتدخل حتماً إسرائيل وربما أمريكا أيضاً، وليس لدي أدنى شك أن لديهم خطة جاهزة لمثل هذا الاحتمال سيتم تنفيذها فوراً متى ما تطور الصراع و وصل إلى تهديد مستودعات هذه الأسلحة. وهناك من المحللين من يذهب إلى القول إن تشكيلات المقاتلين على الأرض هي تنظيمات جهادية، فكل من يتسمّون بالجيش الحر هم في الواقع (جهاديون) إما أنهم سوريون أو أجانب، اللهم إلا بضع مئات من ضباط وجنود النظام فروا من فرقهم والتحقوا بالجيش الحر لكنهم لا يُشكلون عددياً رقماً كبيرا يمكن الاعتماد عليه في قتال النظام. ويؤكد كثيرٌ من الخبراء العسكريين أن حسم المعركة دون تسليح الثوار تسليحاً نوعياً سيُبقيها في حالة تذبذب ولن يستطيع طرفمفرده حسمها، وبالتالي ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات والتطورات. وأخشى ما أخشاه أن تسير هذه التعقيدات والتداخلات بسوريا نحو (الصوملة) وهذا هو الأقرب -للأسف- حسب المعطيات التي أمامنا، وإن بقيت موازين الحرب كما هي عليه مدداً طويلة نسبياً، وأرجو أن أكون مخطئاً.
إلى اللقاء.