لو أن باخرة شحن البضائع لا تفرغ حمولتها في الميناء لما أتيحت مساحة كافية لحمل الشحنة القادمة.
ولأننا مثل البواخر نشق عباب الحياة بين موجات السلب وموجات الإيجاب. محملين بأهداف ومطالب ومسؤوليات وجداول أعمال مزدحمة. لذلك لا بد لنا من موانئ نشحن فيها ذواتنا لنكسب دافعية المواصلة في الإبحار والتقدم. وبناءً على أنه لكل منا مصادر إفراغ تسلب طاقته وتلفيه خاوياً، متململاً وفاقداً للهمة. فإنه لا بد لكل منا مصادر شحن تعيد ملأه بالحيوية والنشاط.
ونحمد الله أن ذواتنا تشبه بطاريات إعادة الشحن «rechargeable batterirs» وإلا فكان العمر الافتراضي لطاقتنا ضئيلاً جداً، ولعدمنا فرصة إعادة التجربة من جديد.
لقد قمت باستطلاع بسيط بين مجموعة مثقفين ومثقفات عن طريقة كل منهم في إعادة شحن ذاته بعد الاتفاق على أن هناك في الحياة من المشاغل والسلبيات ما هو كفيل بإفراغ شحنة الإيجابية بشكل دوري ومستمر. وكانت الأجوبة ثرية ومتباينة.
فئة الرجال كانوا يؤكدون على اهتماماتهم الخاصة وهواياتهم: مُساعدة الضعفاء، العطاء كفكرة بلا عائد مادي، القراءة والموسيقى، المسرح وممارسة الرياضة، اقتناء الأشياء ومصافحة الفنون بأشكالها: نص جميل، اللعب على آله موسيقية وغيرها.
حيث تم اختصار كل ذلك ضمن حكمة تلمّس الجمال والتزوّد به ومقاربة الخيرات. ثم يأتي على الصعيد الآخر الشحن العاطفي من خلال استشفاف الحب الخالص من شوائب المطالبات. على وجه الأخص لدى طفل، ومن ثم يحبونهم..
جاء الطرح مختلفاً لدى فئة النساء: حيث مثّلا «الحب والعبادة» غاية الشحن العاطفي الذي يعيد لهن شغف الحياة ودافع الاستمرار. فالتقرّب لله والمناجاة تفرغن شحنات الحياة السلبية المتحصلة من العطاء الجزل التي تعطيه (الأم - الزوجة) رغم عدم خلو الأمر من زاد إيجابي وفير إلا أنه لا بد يسلب جزءاً كبيراً من طاقاتهن ونشاطهن. أما الحب فهو يشكل العامل الأهم في تزويد بطارية الدوافع ورغبة الحياة والانطلاقة الحافلة بالإيجابية.
وهنا ثم اختلاف كبير عن مفهوم الحب وعمّا إذا كان عامل شحن أو عامل تفريغ. فالرجال يعتبرون الحب بمطالباته وما ينتظر الآخر منهم عامل سلب أكثر من كونه وهباً. فالرجل ينزع للتنوّع والعزلة وقد تكون روابط العائلة والأطفال عبئاً وعائقاً يحيل بينه وبين هواياته وأعماله. على عكس المرأة التي تنتظر الاهتمام والاحتواء والديمومة كعامل وهب ضروري للمحافظة على حيويتها وطاقتها.
ولأني امرأة أميل لرأي بنات جنسي، فالحب زاد وشحن لا غنى عنه في حياتنا. لكني أختلف معهن في الديمومة. فهناك مصطلح جديد نسبياً يُسمى (Quality time) تم استخدامه في السبيعينيات الميلادية، حيث ورد في مقال صدر بالصحيفة الأمريكية The Capital عام 1973 .
فقضاء وقت ذي نوعية عالية مع من نحبهم هو ما يحتاجه الإنسان (وليس المرأة أو الرجل) ليشحن ذاته. أي التركيز على «نوعية الوقت» وليس على «كمية الوقت» بحيث يكون وقتاً كاملاً غير مجزأ. وقتٌ متحرر من أعمالنا أو أجهزتنا. ولكن غياب الوقت النوعي مع أحبائنا (أزواجنا، أبنائنا، أصدقائنا) هو ما يجعلنا نبحث عن بدائل مادية، ونستعيض عن التزوّد العاطفي بالتزوّد التقني والفني والأدبي الذي ورغم كل ما يهبنا من جمال ونشوة إلا أنه لا بد تارك في الإنسان فجوة فراغ لا تُملأ أبدا!
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر