جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها صديقي من عدوي
وفعلاً، فقد أثبتت الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية من هم الأصدقاء الحقيقيون للعرب ومنهم الذين يتحينون الفرص للإيقاع بهم. ومع أن الدول والمجتمعات تعمل جميعاً على تحقيق وتعظيم مصالحها، إلا أن هناك فارقاً بين من يستغل أوضاع جيرانه أو أصدقائه أو حتى من يدعي بأنهم أشقاؤه ليكسب مساحات جديدة يعزز بها مصالحه، كالاستيلاء على أراضي الدول المجاورة أو بناء نفوذ سياسي واحتكار اقتصادي.
وللدول العربية تجارب مريرة مع دول الجوار وتاريخ ممتد منذ قرون. وإذا حصرنا العلاقات العربية بدول الجوار في المشرق العربي، فإن العلاقات التركية العربية والعلاقات الفارسية العربية تيرزان كنموذجين يستحقان الدراسة، بل والتحليل، للبناء على ما ينتج من ذلك لصيغ علاقات واضحة مع هذين الجارين اللذين يربطهما بالعرب أواصر الدين والتاريخ المشترك، بالإضافة إلى الجغرافية.
العلاقات الفارسية العربية يغلب عليها الحالة العدائية للفرس الذين ينظرون إلى العرب نظرة دونية. ورغم أن العرب هم الذين أدخلوا الإسلام لبلاد فارس، إلا أنهم لم يجدوا منهم إلا حروباً وعداءً ومحاولات مستمرة لفرض النفوذ الفارسي، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي العربية على الساحل الغربي للخليج العربي واستمرار النظرة العدائية للعرب التي تضاعفت في عهد حكم الملالي الذين كثفوا من تدخلاتهم في الشؤون العربية الداخلية.
على الجانب الآخر، ونعني به العلاقات التركية العربية التي وإن شابها نوع من التعالي في عهود السلاطين وبروز حالة من الاستعلاء في بداية حكم أتاتورك وابتعاد الأتراك عن العرب من خلال نمو العلاقات التركية الإسرائيلية، إلا أن تركيا لم تقطع وصالها مع العرب تماماً، وقد أصلح الملك فيصل بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - هذه العلاقة حينما قام بزيارة إلى تركيا في عام 1967 وعقد مباحثات مثمرة مع الرئيس التركي آنذاك جودت صاوناو، وقد استُقبل الملك فيصل في أنقرة استقبالاً لم تشهده العاصمة التركية من قبل، حيث اصطف له الأتراك من مطار أنقرة إلى قصر جانكية شمال العاصمة. وقد تعززت هذه العلاقات في عهد حكم حزب العدالة والتنمية وخصوصاً مع المملكة لوجود علاقة شخصية مميزة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله والرئيس عبدالله غل، إذ تعززت العلاقات بين البلدين وتكثفت العلاقات الاقتصادية والاستثمارات، كما أظهرت تركيا مواقف جداً إيجابية لدعم القضايا العربية خصوصاً القضية الفلسطينية ودعم الثورات العربية في سورية وليبيا، وهو ما دفع نخبة من المثقفين الأتراك والعرب إلى إنشاء منتدى للحوار بين المفكرين والمثقفين من الكتاب والصحفيين والأكاديميين لتقنين هذه العلاقة ورفدها بأفكار ومبادرات تعزز هذه العلاقة، وقد عقد اللقاء الأول في استطنبول في العام الماضي، وتعقد جلسته الثانية والتي بدأت أمس في البحرين، حيث سيستمع الحضور لكلمتين للدكتور هورموزلو مستشار رئيس الجمهورية التركية والدكتورة هيا راشد آل خليفة، وستقدم أوراق عمل لإثراء النقاش ومنها ورقة العمل المقدمة من الزميل عبدالإله السعدون الكاتب في الجزيرة.
jaser@al-jazirah.com.sa