هذه قصة من صميم الواقع حدثت قبل عشرات السنين في مدينة حائل لأحد شبابها في ذلك الوقت، إذ وافاه القدر المكتوب، فحُمل من بيت أهله الذين فجعوا لفقده مسلمين لقدر الله عز وجل. أسجي الشاب ليغسل قبل الدفن، وإذا الذي يقوم بغسله يلحظ نبضاً في أحد العروق في جسده، فدعا بذويه وأخذوا يعملون ما بوسعهم حتى أفاق من غيبوبته التي ظنوا أنها وفاة..
ونهض عائداً مع إخوانه وذويه. سبق خبر حياته الجديدة أو إفاقته سريعاً إلى أهله وبيته، لكن إحدى قريباته ومن هول المفاجأة سقطت ميتة، فما كان من أهلها وذويها إلا أن يكفنوها بنفس الكفن الذي كان معداً لقريبها الذي أفاق من غيبوبته ودفنت رحمها الله رحمة واسعه، فانظر إلى تصاريف الأقدار من والي الأقدار، وتأمل في حكمته وقدرته جل جلاله.
ثم إن ذلك الرجل واصل حياته وأنجب أبناءه وبناته وعمل بكد ونقاء سيرة فخلف أسرة كريمة ممتدة أبناء وبنات حفظهم الله جميعاً، إلى أن توفاه الله شيخاً جليلاً قبل ثلاثين عاماً رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه ووالديه جنة الرضوان، ووالديكم والمسلمين أجمعين. يقف علماء الأحياء حيارى أمام مسألة الموت عجزا عن تفسير كنهه وماهية الروح وكيف تكوينها وشكلها وخروجها من الجسد. لكن المسلمين على قناعة وعلى غير حيرة من أمرهم لأن الله أنبأهم بأمرها {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فاقتنعوا وتوقفوا عن الخوض فيها لأنها من الغيبيات التي هي في علم الله جل جلاله.
لكن علماء الأحياء الغربيين، وبحكم إخضاع كل شيء حسب -نهجهم واعتقادهم- إلى التجربة والاستنتاج والدليل الملموس والمادي لم يتوقفوا وظلوا يبحثون ويخضعون حيوانات التجارب لأبحاثهم ومختبراتهم، لأن الأناجيل التي وصلتهم والتي هي محرفة على كل حال لا تقدم لهم الإجابة المقنعة عن هذا الأمر كما قدم القرآن الكريم للمؤمنين، كما لم تقدم إجابات شافية على مئات أو آلاف الأسئلة للمسيحيين منذ عصور الظلام حتى يومنا هذا. إضافة إلى أن المجتمعات الغربية تحولت إلى العلمانية أصلاً بدءاً من عصر النهضة فأصبحت العلوم تعتمد التجربة فقط دون العودة إلى اللاهوت أو الكنيسة. إنما من عبث العلوم وبعض العلماء هناك أنهم بدءوا يخوضون في مسألة إعادة الحياة لمن مات، بدعوى إعادة الخلايا إلى الحياة مما من شأنه أن يعيد الميت إلى الحياة مرة أخرى، فلا أدل من هذا على أنه مهما وصل الإنسان من علم وإنجازات، من اختراع الروبوت أو الرجل الآلي إلى الوصول إلى المريخ مروراً بعلاج أخطر الأمراض، أقول مهما وصل هذا الإنسان، فانظر عزيزي وعزيزتي القارئة إلى ضعف هذا الإنسان بل وغروره واعتداده بنفسه وظنه أنه وصل إلى كل شيء، بما فيه الروح التي هي من أمر الله تعالى. لا أحد ينكر فضل العلماء وبحوثهم واختراعاتهم وأثرها على حياة البشر على امتداد التاريخ إلا جاهل، ومكانة العلم والعلماء على اختلاف عقائدهم كل حسب إيمانه بالله تعالى، لكن بلا جدال أن الخواء الروحي والإلحاد لا يحل محله أقوى وأكبر اختراع أو بحث علمي وإلا لما تجرأ عالم على مسألة الموت وتحدي قدرة القادر على كل شيء.
قبل أيام فقدت أخي الحبيب أحمد، لم أشأ أن أذكر هذا في بداية المقال على عظم مصابي به، ولكن لأن هذه المساحة ليست لي وحدي فهي لكم أولاً، أردت أن أشرككم في أمر نشترك فيه جميعاً، في كتاب مؤجل له أجل معلوم عند والي الأقدار. هنيئاً لمن مضى إلى ربه ولا تجد من له عليه حق، أو اعتزل صخب الناس وعراكهم مع أطماعها فعمل على رعاية بيته وأسرته وتجنيبهم تقلبات الدنيا، فأمن ما رزقه الله لهم وترك لهم ما يغنيهم بحمد الله، خرج من المستشفى رغم نصيحة الأطباء له بعدم المغادرة حرصاً على صحته، وذلك لحضور عقد قران ابنه، فكان قدر الله تعالى أسبق، وله الأمر من قبل ومن بعد. رحمك الله يا أحمد رجلاً لا ننسى ابتساماتك وطيبة قلبك وهدوء طبعك وبعدك عن صخب الحياة وأذى الناس، ورحم الله والديكم ومن تحبون.
omar800@hotmail.com