ربما كُنّا نقول عن بعض المشاريع التجارية الصغيرة أنها أحلام جميلة، سيتحقق الكثير منها، وستعود بالنفع على أصحابها وعلى من حولهم، إلا أن النغمة هذه الأيام تغيرت، لتتبدل الأحلام إلى ما يشبه الأوهام التي تبعثرها الكثير من المعوقات والمثبطات.
فالمشاريع التجارية الصغيرة فقدت أهميتها وجدواها في ظل هذا الاستحواذ الكبير على مفاصل العمل التجاري في كل مكان من العالم، مع سعينا المتفائل أن تحافظ هذه الأفكار على شيء من العفوية من أجل إنجاح مشاريعنا الصغيرة من قبيل المطاعم وتجهيزه والأدوات والورش ومراكز الصيانة الصغيرة، بل حتى صناعة الطعام والمواد الغذائية المحدودة في المنازل وتسويقها فمثل البليلة والذرة والكليجا.
وكل ما هيمنت الشركات والمؤسسات العملاقة على مفاصل العمل التجاري نجد أن بعض البنوك قد تسهم أيضاً في تعثر مثل هذه المشاريع على نحو الشروط التعجيزية التي توضع أمام المقترض، وان تمت فإنها بفوائد عالية ومرهقة، وقد تصل إلى ربع مليون أو يزيد، ويقال عنها إنها تسهيلات للمشاريع الصغيرة!! فهي بلا شك معوق كبير لأصحاب هذه الأحلام ممن حرموا فرصة الوظيفة.
لكن السؤال الملح عن مدى فاعلية الدعم الحكومي؟ ولماذا يتوارى خلف صور محددة وبيروقراطيات إجرائية؟!.. فالتمويل يجب أن يكون بمبالغ محددة وبسيطة وبلا فوائد أو شروط تعجيز، والأهم من هذا أن تتم حماية المهن ودعم أهلها بالمال والقرارات الناجعة، والوقوف بحزم أمام العمالة السائبة ومن يقف خلفهم من منتفعين، من أجل تشجيع أصحاب المهن ليعودوا إلى مهنهم، وينتجوا بشكل مناسب.
أمر يعوق تحقيق حلم إنتاج هذه المشاريع الصغيرة ونمائها يتمثل في التصنيع الخارجي لبعض هذه المنتجات المحلية التي يجدر أن تنتج بأيدي أهل هذه البلاد، فقد باتت جل الصناعات المحلية لا سيما التراثية والفلكلورية تستورد مصنعة من الخارج كالصين والهند وكوريا بشكل لا روح فيه أو حياة.
فالمجتمع لا يمكن له أن يكون متقناً أو مجيداً لمثل هذه الأعمال المهنية، إنما يراد من ذلك أهل هذه المهن وهم الفئة التي باتت تعاني.. فكثيرا ما يكون هناك خلط في أمر عمل المجتمع، أو لنقل الشباب، بل وهناك انتقاد حاد لمن يطالب بعمل المواطن بمهن مختلفة يتمثل في جملة شهيرة تنم عن جهل: (أنت يا الأخ تريد أن تشغل عيالنا حلاقين وخبازين وعمال مطاعم؟!).
والرد هنا بمنتهى الموضوعية أن هناك فئة من مجتمعنا تتعطش للعمل المهني وتسعد فيه، وجلها سواعد تعمل بجد ونشاط وحرفية عالية، إلا أن هذه المعوقات التي ذكرناها تعترض سبيل عملهم وجدهم واجتهادهم وطلبهم للرزق الحلال.. فلا مانع أن نجح هؤلاء في أعمالهم المهنية من مساعدة الشباب الآخر لهم في أعمال إدارية ومحاسبة وتسويق..
فالأمر بحق يحتاج إلى وقفة جادة مع هؤلاء أصحاب المشاريع الصغيرة، ونودها أن لا تكون مجرد أوهام أو خطوات فاشلة، كما فشلت تجربة محلات الخضار والبقالات التي باتت تشهد صراعا علنيا بين فئات عمالة تغزو شوارعنا، وتلتهم ما تلفظه هذه الشركات والمؤسسات التي تدعي أنها وطنية، وحينما تفتش في عمالتها وموظفيها ومحاسبيها ومندوبيها لا تجد إلا أجنبيا.. فكيف بالمهن أن تحيا، وتزدهر وهي على هذه الحال أو المنوال؟!
hrbda2000@hotmail.com