في مساء ما قبل الأمس كانت السعادة باحتفال منح الفائزين، هذا العام، بجائزة الملك فيصل العالمية الجوائز التي نالوها. وكانوا خمسة رجال ومؤسسة علمية. وأول أولئك الفائزين الخمسة الشيخ رائد صلاح محاجنة من عرب فلسطين المحتلة عام 1948م،
الذي فاز بجائزة خدمة الإسلام. أما ثاني الفائزين فهو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي فاز بجائزة اللغة العربية والأدب. وأما الجائزة الثالثة؛ وهي الطب، وموضوعها: «العوامل الوراثية للبدانة»، ففاز بها عالمان رائدان هما البروفيسور دوجلاس ليونارد كولمان، الحامل للجنسيتين الأمريكية والكندية، والبروفيسور جيفري مايكل فريدمان، الأمريكي الجنسية. وأما الجائزة الرابعة؛ وهي العلوم، وموضوعها: «الفيزياء»، ففاز بها العالمان العظيمان: البروفيسور فيرنس كراوس، المجري النمساوي الجنسية، والبروفيسور بول كوركم، الكندي الجنسية.
وُلِد الشيخ رائد صلاح، عام 1958م، في أم الفحم لأسرة فلسطينية تَمسَّكت بأرضها، وحصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في الخليل. وهو رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ورئيس المجلس الأعلى للدعوة؛ إضافة إلى تَولِّيه مسؤوليات كبيرة أخرى. وهو من أكثر الشخصيات الفلسطينية تَصدِّياً للسياسات العدوانية الصهيونية بحق الفلسطينيين ومُقدَّساتهم. وقد بدأ نشاطه الإسلامي منذ أن كان في المرحلة الثانوية. وكان من مؤسسي الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ونجح في تَولِّي رئاسة بلدية أم الفحم 3 مرات. ثم تَفرَّغ لمهمات أخرى كإعمار المسجد الأقصى، والدفاع عنه، وتنظيم المسيرات الحاشدة إليه.
وللشيخ رائد صلاح دور كبير في كشف مخططات الصهاينة ضد المسجد الأقصى والمُقدَّسات الإسلامية الأخرى في فلسطين، كما أن له إسهاماً واضحاً في إعمارها وصيانتها. ولنشاطه الكبير اعتقلته السلطات الصهيونية، أكثر من مَرَّة، ومُنِع من دخول القدس إلا بإذن خاص منها عام 2009م، وجرت محاولة لاغتياله من قِبَل المُتطرِّفين من الصهاينة.
أما مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الفائز بالجائزة في فرع اللغة العربية والأدب فمؤسسة علمية رائدة. وقد أنشئ رَسميًّا في الثالث عشر من ديسمبر عام 1922م بهدف بذل الجهود للحفاظ على سلامة اللغة العربية، وجعلها وافية بِمُتطلَّبات العلوم والفنون ومستحدثات الحضارة المعاصرة، والعمل على وضع معجم تاريخي لغوي، ودراسة اللهجات العربية الحديثة في مصر وغيرها من البلاد العربية، وإصدار مجلة تنشر بحوثاً لُغوية، والعناية بتحقيق التراث العربي. وقد تَكوَّن من علماء معروفين بتعمُّقهم في اللغة وفقهها دون تَقيُّد بالجنسية، فَضَمَّ عرباً ومستعربين، كما ضَمَّ أعضاء فخريين ومراسلين.
وقد مضى المجمع في أعماله، ونما نُموًّا مُطَّرداً ليتواءم مع مقتضيات التطوُّر. ومن وجوه نشاطه عقد مؤتمر سنوي لأعضائه وبعض أعضائه المراسلين للنظر في الموضوعات المُهمَّة؛ مثل قضية تيسير النحو والكتابة العربية ولغة العلم، والفصحى والعامية، والمصطلح العلمي العربي، والتراث والتعريب. ولديه مكتبة غنية مشتملة على مخطوطات ومطبوعات مُصنَّفة بالحاسوب الآلي. ويصدر عنه مجلة علمية نصف سنوية صدر منها حتى الآن أكثر من مئة عدد، كما ينشر ما يُقدَّم في مؤتمره السنوي من بحوث. ومما أصدره من أعمال علمية لُغوية أربعة معاجم هي: المعجم الكبير، و المعجم الوسيط، و المعجم الوجيز، و معجم ألفاظ القرآن الكريم. وقد تميَّزت المعاجم التي أصدرها باستجابتها لحاجات مستخدمي العربية؛ رابطة حاضر هذه اللغة بماضيها، ومستفيدة مما جَدَّ من مناهج علمية حديثة في مجال صناعة المعجم.
وما ذا عن الفَائزَين بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب؛ وهما البروفيسور دوجلاس كولمان والبروفيسور جيفري فريدمان؟
لقد وُلِد الأول منهما في كندا عام 1931م، وبعد حصوله على البكالوريوس في الكيمياء، عام 1954م، سافر إلى أمريكا حيث حصل على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة وسكونسن عام 1958م. ثم تَولَّى مَهمَّات إدارية علمية واستشارية رفيعة؛ منها أنه كان كبير أخصائيين علميين، ومستشاراً لمعاهد الصحة القومية في أمريكا، وأستاذاً زائراً في جامعة جنيف. وتَتركَّز اهتماماته البحثية على النواحي البيوكيميائية للوراثة، والبدانة، وداء السكري، ووظائف الهرمونات. ومما اشتهـر بـه اكتشافه مورثة db إحدى المورثتين المسؤولتين عن الفعاليات الوراثية التي تُنظِّم الشهية وتَتحكَّم بها. ولما حَقَّقه من إنجازات علمية رائدة احتفت به الأوساط العلمية، وقَدَّرته كُلَّ التقدير.
أما البروفيسور جيفري فريدمان فَوُلِد في أورلاندو الأمريكية عام 1954م، وحصل على البكالوريوس عام 1973م، وعلى الدكتوراه في الطب عام 1977م. واحتل مناصب علمية رفيعة بينها أنه كان مدير مركز ستار لعلم الوراثة البشرية في جامعة روكفلر. ومما اشتهر به اكتشافه هرمون ليبتين المُنظِّم للشهية، وسلسلته مورثته، والاستفادة من ذلك في علاج عدة أمراض. وقد اهتمت به الأوساط العلمية اهتماماً كبيراً، وصَنَّفته مجلة تايمز الأمريكية مرتين في قائمة أفضل العلماء في العالم، كما صَنَّفته مؤسسة تومبسون رويترز الفائز الأول بمرتبة أكبر العلماء المستشهد ببحوثهم عام 2010م.
وإذا كانت لجنة الاختيار في الطب بجائزة الملك فيصل العالمية قد وُفِّقت في اختيارها الفَائزَين الرائدين في الجائزة فقد كانت، أساساً، قد وُفِّقت في اختيارها موضوع الجائزة؛ وهو « العوامل الوراثية للبدانة». ذلك أن مشكلة البدانة ازدادت في عدد من المجتمعات؛ وبخاصة في دول مجلس التعاون الخليجية، نتيجة لأسباب يبدو أن منها الانغماس في تناول ما يُسمَّى بالوجبات السريعة، والإسراف في ركوب السيارات بحيث قَلَّت حركة المشي على الأقدام.
والأول من الفائزين بالجائزة في العلوم -الفيزياء- هو البروفيسور بول كوركم. وقد وُلِد في كندا عام 1942م، ونال البكالوريوس في الفيزياء من جامعة أكاديا الكندية عام 1965م، ثم نال الدكتوراه من جامعة بيت لحم الأمريكية عام 1972م. وقد نالت بحوثه المبتكرة البالغة أكثر من 240 والمنشورة في كبريات المجلات العلمية، تقدير العلماء في العالم. ويُعدُّ من أشهر رُوَّاد علوم الليزر وتطبيقاتها. وقد أسهم إسهاماً عظيماً في إثراء المعرفة وتطويرها في مجال استخدام نبضات الليزر البالغة الدقة لدراسة تركيب المادة، وتَمكَّن هو وزميله كراوس -كلاًّ على حدة- من تصوير حركة الالكترونات في الذرات والجزيئيات بسرعات مذهلة في حدود الأوتوثانية، التي تبلغ نسبتها إلى زمن الثانية المعروفة كنسبة الثانية إلى زمن عمر الكون؛ أي نحو أربعة عشر بليون عام.
وأما البروفيسور فيرنس كراوس فَوُلِد في مدينة مور المجرية في 1962م. ودرس الفيزياء النظرية في جامعة بودابست التقنية حيث حصل على دبلوم الهندسة الكهربائية بامتياز عام 1985م. ثم نال الدكتوراه من جامعة فيينا التقنية عام 1991م، ثم نال بامتياز درجة Habilit عام 1993م؛ وهي أعلى مؤهل أكاديمي بعد الدكتوراه في كثير من الجامعات الأوروبية. وقد احتلَّ مناصب أكاديمية رفيعة. تَتركَّز بحوثه على تقنية النبضات الليزيرية القصيرة المتناهية السريعة، وفيزياء الأوتوثانية. وتشمل، أيضاً، الفيزياء الذرية، وفيزياء البلازما، وفيزياء الأشعة السينية، والبصريات اللاخطية. وهو عضو، في أكاديمية العلوم بالنمسا، وفيزياء وأكاديمية العلوم المجرية، والأكاديمية الأوروبية للعلوم والآداب في النمسا، وعضو خارجي في الأكاديمية الروسية للعلوم.
وفي الختام، أرجو أن يتم نعمته على الجميع، وأن يمد كل العاملين لخير الإسلام والمسلمين والبشرية كلها بالعون والسداد.