نقلت جريدة سبق الإلكترونية خبراً عن الخلاف الذي حدث على متن طائرة إركاب سعودية، الذي نشب بين وافدة وأسرة سعودية، وحسب نقل الجريدة الإلكترونية فقد سحب الأمن من أفراد الأسرة السعودية بطاقات الهوية، وأوقفهم في ساحة المطار، فيما نقلت سيارة خاصة المرأة الوافدة وابنها إلى صالة المطار، وذكرت الجريدة أن الوافدة قالت لرب الأسرة: «سوف أتصل على من يربيك»، وانتظرنا خبراً يكذب الحكاية، أو يصحح ما قالته المرأة في حق العائلة، ولم يحدث شيء من ذلك.
بيت القصيد في هذه القصة المؤسفة قول المرأة الوافدة سوف أتصل على من يربيك، وفي هذه العبارة تكمن أهم عقبة أمام المجتمع السعودي ليكون في مصاف المجتمعات المتطورة، ويبدو أن الوافدة عرفت كيف تفرض سلطتها في المجتمع من خلال علاقاتها الشخصية بصاحب الأهمية، ويدور حول هذه العلاقة عوائق لا حصر لها أمام تطور الوطن ليكون مجتمعا يحكمه القانون فقط لا غير، وقد يبدو ما ذكرته أعلاه مجرد حادثة عابرة، لكنها بالتأكيد ليست كذلك، لأنها يجب أن تؤخذ بأهمية بالغة، وذلك من أجل إغلاق ملف «البروتوكول» أو تحجيمه، ويظهر أنه وصل إلى حجم أكبر من أن نجمعه في مجلد واحد.
من أجل بلادنا العزيزة، لنكن على قدر كبير من الصراحة، في المجتمع السعودي يحتاج المواطن إلى علاقات قوية من أجل أن يصبح صاحب أهمية، وأن تكون له كلمة نافذة، ولو كان المخطئ في حق الآخرين، هذا ما أدركته الوافدة، فقد خرجت من المشكلة بمكالمة هاتفية، وبقي الشخص الذي لا يحظى بأهمية، ينتظر خلاصه من حصة التربية الخاصة به، وذلك من أجل أن يتعلم في المستقبل نعمة الصمت أمام من يعتقد أنه صاحب أهمية، ولن ألقي باللوم على الأسرة السعودية لأنها لا تعرف أن هذه الوافدة ارتقت درجات في سلم الأهمية.
الجدير بالذكر أن كثيراً من المواطنين تعلم أو تدرب كيف يتصرف على أنه صاحب درجة عالية من الأهمية في سلم المجتمع السعودي، لذلك تجد الكثير يتكلم أحياناً من علو مع الآخرين، حين يعرّف بنفسه، وذلك لإعطاء الطرف الآخر انطباعاً على أنه قادر على إلحاق الأذى به من خلال علاقاته المتينة مع صاحب السلطة، وتلك سمة غير متحضرة، وتؤدي عادة إلى انتشار المحسوبية، التي فيها الآثار السلبية على احترام الأنظمة.
لم يأت ذلك من فراغ، بل نتيجة لسلوك قديم ومتجذر في المجتمع، كان من أهم أسبابه غياب سلطة القانون على الجميع بدون استثناء، ووصل البعض إلى هذه الحالة بسبب تداول أحداث تحكي كيف يتصرف أشخاص من أصحاب الأهمية فوق القانون، وأن فلانا من الناس خرج من مشكلته بمكالمة هاتفية، وأن هناك من يتصرف على أنه فئة فوق سقف النظام، وأن الطريق للنجاة في المجتمع أن تلتحق بذلك الركب، وإن لم تنجح ستظل تنتقل من دوامة إلى أخرى إلى أن يشاء الله لك مخرجاً، ولهذه الثقافة غير السوية آثار لا يمكن حصرها في هذه المقالة، لأنها بكل شفافية تعني أننا ما زلنا في عداد دول العالم المتخلف نظامياً، لأن الأمم تُقاس بمدى احترامها لقوانينها وأنظمتها.
تتكرر مثل هذه الحادثة في كثير من المواضع، فنلاحظها في التقيد بأنظمة المرور، فالبعض لا يتردد في السير بسيارته على الرصيف وأن يجتاز الإشارة الحمراء، تحت مرأى من سيارة المرور، وفي ذلك دعوة مباشرة لمخالفة الأنظمة، وفيها إشارة إلى أن هناك من يعتقد أنه فوق سلطة النظام، وأي قانون يستثني فئات من حكم النظام، لن يحظى بالاحترام، يحدث مثل ذلك في المستشفيات والمطارات وغيرها، فعبارة «بروتوكول» تعني في كثير من الأحيان أكثر مما تعنيه في البلاد المتقدمة، والتي تعني الرعاية الخاصة بالدبلوماسيين والسياسيين، لكنها في المجتمع السعودي تمثل ناديا كبيرا لا وضوح في عضويته، فالكل يدعي أنه بروتوكول، ومن فوائد عضويته أن يتصرف المرء خارج النظام، وإن لم توافقه في تصرفه، ولو كان يخالف النظام، سيتصل على من يربيك!