قال الفتى المدني كنت يوماً مهموماً بمستقبلي، فجاءت جدتي، تمتطي إرثاً عن جدها عن جد جدها، فقالت: مالك يا ابن بُنيتي أراك مهموماً وعن الفرح مجذوباً؟ أسقيم فأداويك، أم عاشقاً فأناجيك؟ قلت لها لا هذه ولا تلك يا أم أمي وقرة عين جدي، فكادت أن تستلقي على ظهرها من فرط ضحكها، وهي تقول:
أي قرة عين لجدك وهو الذي أتى بها ودارى حالها, ونسي داري وحالي؟ دعك مني ومنها وقل لي ماذا دهاك وماذا أصابك؟
قلت: لقد فرغتُ للتو من الدرس، وأكملت عشراً مع خمس، وقالوا إنك صرت من أصحاب المراتب العالية، فصلت وجلت فلم أظفر بعالية ولا دانية، بين يدي ورقة تقول إنك من أصحاب الشرف، حيث نلت أربعة تتلوها تسعة وخمس، فزهوت وتبخترت وما علمت أنها لا تعني شيئاً وأني ومن لا يملك شيئا سواء، فالعبرة بمن يعرف وزير الأحلام، فنهضت جدتي وقد كانت للغفوة أقرب, ومن اليقضة أقصى وأبعد, وهي تردد وزير الأحلام..
وزير الأحلام؟ أتعني (أبو همام)؟ قلت لها: هو بعينه، وهل يا ترى تعرفين حماته أو تعرفينه بعينه؟ فقالت: أبشر بالعالية ولن تكون من أصحاب الدانية، فأم أم همام أقرب إلي من أمك وأبيك، ولا يمكن أن ترد لي طلباً، فهات الشهادة وما قيل عنك من إشادة، ونهضت نهضة المطية من العقال ولم تودعني ولم تسأل عن أبي عقيل ولا عن ابنتها عقيلة, وولت وهي تردد: وزير الأحلام..
أبو همام، حتى كدت أخشى عليها من السقوط أو أن تعبر طريقا مسدود، تبعتها فنهرتني وقالت: عد إلى أمك وأبيك فالخبر سيأتيك، مضى يوم ويوم وتلاه يوم فكان الخبر مع غروب الشمس مشرقا كشروق الشمس، حيث جاءت جدتي وتجاعيد وجهها منورة والخبر المبهج تحمله، لقد صرت كبيراً يا ابن عقيل وعقيلة، فالوزير أصدر أمره، وما عليك إلا أن تنصاع لأمره ونهيه، انتظرت الصباح على أحر من صاج الفلاح، لبست كل جديد وتعطرت بكل فريد، دلفت مكتب الوزير وإذا بالمدير يحمل بشرى للزملاء بأن (أبو همام) جاء بالخبر الكبير, وحل بساحتهم خبير, سمعت الترحيب والتهليل والتكبير وأنا بين مصدق ومكذب, هل أنا المراد؟ وتمالكت نفسي وسلمت عليهم والصمت يجللني خشية الصدمة والتحقير, لو صرت لست بالخبير, وسألت عن حالي وهل سمعتم بالوزير وتعيينه لابن عقيل؟ قالوا ماذا دهاك يا سعادة الخبير، ألم تسمع بالترحيب والفرحة الكبرى بقرار الوزير؟ قلت أأنا المعني؟ قالوا وهل هناك من يستحق سواك؟ فأنت من سمعت بك الركبان فكان مجيئك لنا عيد وتعيينك لنا مفيد.
بعد ساعة جاء الوزير فعانقته وقبلت رأسه وقلت أنا ابن عقيلة وجدتي وجدة همام لا يأنسون إذا لم يكونا كأكمام الفانيلة، ضحك ورحب ومن كرسيه أدناني وأكد, أنت مثل همام وأزيد.
نسيت أن أقول لكم إن اسمي ضرغام، وقد كذب من قال لكل فتى من اسمه نصيب، فها أنا خبير وكبير ولم يصبني ضر ولا غم منذ أن علمت جدتي بحالي وقالت أم همام لبعلها ليكن هذا الفتى من خاصتك فهو خبير ولو لم يكن خبير، فالقول وقولي وأنت تعلم حسن رأيي وقوة بأسي.
نلتقي في مجلس أبي همام والخبير الهُمام في صباح جديد.
والله المستعان،,,
almajd858@hotmail.comتويتر: @almajed118