عاد مفكِّر مرموق بعد سنوات طويلة من تخرُّجه إلى الجامعة ليستعيد بعض ذكرياته هناك، وحين التقى أستاذه القديم طلب منه أن يُطلعه على نماذج من أسئلة الاختبارات التي يؤديها الطلاب في السنة الحالية.. كانت المفاجأة أن الأسئلة لم تتغيَّر عمَّا كان يعهده في اختبارات المرحلة التي عاشها في الجامعة قبل خمسة عشر عاماً، وحين سأل أستاذه باستخفاف عن سبب ذلك قال البروفيسور الكهل: نسيت أن أخبرك حين كنت على كرسي الدراسة أن الأسئلة لا تتغيَّر أبداً، إنما الذي يتغيَّر هو الإجابات!
هذه الحكاية أو الطُّرفة تلخصها بمعنى آخر مقولةُ أحد أساتذة الاقتصاد الأمريكيين (الكل يريد النمو الاقتصادي.. لكن لا أحد يريد التغيير!). هذا الواقع يتكرر في أكثر من موقع ومجال وعلى جميع المستويات تقريباً؛ فلا عجب أن تنفق شركات الملايين بهدف تحقيق النمو، لكنها تتردد كثيراً ولا تملك الرغبة والجرأة في التوقُّف لدقائق معدودة لتفكِّر في التغيير خصوصاً حين تشير جميع الدلائل إلى أنه الطريق الأوحد للنمو القادم.. هذه الحقيقة لا نبالغ حين نقول إنها تترجم علاقة الثقافة بالنمو الاقتصادي التي تمثِّل الحلقة الأضعف في مسيرة اقتصاد كثير من الدول النامية، وفي مقدمتها اقتصادات الدول العربية بشقيها العام والخاص.
كيانات ومؤسسات كبيرة كانت تملأ السمع والبصر أضحت اليوم جزءاً من الذكريات، فالقادرون على الجهر بثقافة التغيير في منشآتهم فقط هم مَن تحققت لهم فرصة الحياة بثياب لم تحرقها المنافسة وضغوط السوق؛ ولذا تنظر أدبيات الإدارة إلى التغيير باعتباره قضية ذات جانب يرتبط بالإنسان وثقافته في التعاطي مع الواقع ومتغيِّراته..
لكن القناعة بأهمية التغيير لا تنفي الحقيقة الأهم وهي أن ليس كل من يقدم نفسه كفارس للتغيير هو كذلك, فالكثيرون لا يملكون القدرة على الوعي بواقعهم ومدى الفرص والمخاطر التي تحدق بمنشآتهم ومع ذلك يقدِّمون أنفسهم كقادة للتغيير..
المشكلة أيضًا أن الكثير ممن يناقشون قضية التغيير في الشركات والمؤسسات المحلية والعربية يطرحونها في سياق حلول الأزمات واحتواء الإخفاقات مؤقتاً! ولذا فإن غرس الوعي بالتغيير أولى من العمل على سرعة تطبيقه كيفما اتفق!
عبر تويتر: fahadalajlan@