أعترف أن الكثير من المقالات السابقة التي كتبتها والتي قرأتها أيضا للكثير من الإخوة الكتاب المتعلقة بعنوان هذا المقال كانت بدون إحساس جديد طرأ علي هذا الأسبوع بعد أن رزقني الله بالحفيد الأول. لا أنكر الصدق والإحساس بالوطنية الذي كان ولا يزال يختلجني وأنا أكتب وأقرأ تلك المقالات، ولكن الإحساس أثناء كتابة هذا المقال يختلف كثيراً خاصة عندما أنظر لوجه الحفيد الأول وهو يبتسم لي و كأنه يقول: أملي أن أصبح مثلك أو أفضل منك ياجدي، وأن تكون الفرص التعليمية والفرص العملية المتاحة لي ولجيلي بعد 25 عاماً أفضل مما كانت متاحة لك ولجيلك! وكأن هذا الحوار الفرضي اللاسلكي بيني وبين حفيدي -الذي لم يتعدى عمره 5 أيام- ينتقل بذبذبات عبر الأثير ليثير الشجون والهموم التي يحملها المخلصون لهذا البلد المبارك. وكأنه يرى بعينيه الجميلتين الأفكار تتناقل في رأسي ويقول كيف سيكون الوضع بعد 25 سنة عندما يتضاعف عدد سكان المملكة ليصل إلى أكثر من 40 مليون نسمة معظمهم من الشباب؟ الحقيقة أن هذا التساؤل الفرضي القادم من طفل حديث الولادة يعجز الإجابة عليه الكثير من المتخصصين وصناع القرار.
ومما زاد أمري وتفكيري حدةً وهماً ما نُشر في الأسابيع الأخيرة من تقارير تتحدث عن تراجع المملكة العربية السعودية لمراكز متأخرة خليجياً وعالمياً في مقياس التنمية البشرية والبطالة. تلك التقارير تشير إلى تأخر المملكة إلى المركز 57 عالميا والخامس خليجياً في مقياس التنمية البشرية والمركز الثالث خليجياً بالنسبة للبطالة حتى وصلت إلى أكثر من 12%. كذلك الأخبار التي تتحدث عن وصول عدد المتقدمين لبرنامج حافز إلى أكثر من مليون.
فعندما نضع بعين الاعتبار تزايد وارتفاع عدد الخريجين سنوياً من جامعات المملكة وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث ونسبة التكاثر للشعب السعودي التي قد تصل إلى 3-4% سنوياً، نجد أن المملكة العربية السعودية يجب أن تطور بيئة اقتصادية تساعد على خلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة بصفة مستمرة لتلبية مطالب مئات آلاف من الخريجين. طبعاً لا أعتقد أن القطاع العام يستطيع خلق هذه الوظائف الجديدة، ولكنه من خلال الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية يستطيع تطوير البيئة التي تساعد على خلق هذه الوظائف بصفة مستمرة من خلال تنمية الاقتصاد السعودي وفتحه لمجالات وصناعات وفرص استثمارية جديدة بشكل مستمر تبعاً لخطط طويلة الأجل. هذا بالإضافة إلى تحمل القطاع الخاص لدوره الوطني بتطبيق مبدأ السعودة وتطوير الكفاءات السعودية لشغل هذه الوظائف، فالمسؤولية مشتركة، وتحملها جزء من ديننا الحنيف.
كما أعتقد أنه من الضروري الآن لمجلس الخبراء في ديوان مجلس الوزراء الموقر النظر بجدية في الاقتراح الذي ذكرته في عدة مقالات سابقة بفصل وزارة التخطيط عن الاقتصاد وذلك لإعطائها دوراً جديداً كبيراً إستراتيجياً من خلال تركيزها على التخطيط العلمي الجدي لمستقبل هذا البلد في جميع المجالات. ذكرت عدة مرات أن دائرة التخطيط في أي مؤسسة تعتبر أهم دائرة لأنها تعمل على ضمان مستقبل وتطور وبقاء هذه المؤسسة. والدولة لا تختلف عن ذلك. يجب أن تأخذ وزارة التخطيط على عاتقها مسؤولية ضمان تطوير خطط إستراتيجية في جميع وزارات وقطاعات الدولة لتحقق أحلام ومطالب الأجيال القادمة, والمتابعة الدقيقة للتأكد من تنفيذ هذه الخطط على أرض الواقع بكفاءة ودقة عالية مع وجود نظام مساءلة ومراجعة دورية. كما أؤكد ما ذكرته سابقا على أهمية إيجاد منصب وكيل وزارة في جميع الوزارات للتخطيط الإستراتيجي -إن لم يكن موجوداً- يرجع للوزير مباشرة وذلك لأهمية هذا الأمر وتأثيره الكبير على مستقبل الأجيال القادمة.
ولعلي أختم حواري الفرضي مع حفيدي بقولي له: لا تهتم، فسوف أعمل أنا والكثير من المخلصين لهذا الوطن لتهيئة البيئة الصالحة لجيلك والأجيال القادمة لكي تعيش بأمان ورغد من العيش، ويبقى خيارك الأخير -إذا لم نستطع تحقيق طموحك وطموح جيلك- أن تصبح لاعباً مبدعاً في كرة القدم، فهي الوظيفة ذات العائد المالي الكبير الذي لا يستطيع أن يصل إليه ليس فقط من يحمل حرف الدال بل وحتى الرؤساء التنفيذيين في الكثير من الشركات الكبرى.
www.saudienergy.netTwitter: @neaimsa