يعد كتاب النساء في التراجم الإسلامية لروث رودد والذي نقله إلى العربية الأستاذ الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر أنموذجاً مميزاً من نماذج جدية البحث العلمي في الإنسانيات وجودة المنهج ووضوحه في استعراض القضية المطروحة على نحو مكثف تحسب فيه الكلمة حتى لا تكون إطالة أو خروج أو إسهاب في أي معلومة لا علاقة لها بموضوع الدراسة.
وكما تقول المؤلفة فقد أرادت من هذا الكتاب دراسة: “صورة النساء في المجتمع الإسلامي على مدار القرون من خلال عيون كُتّاب مسلمين. كما أنّي سأسعى إلى التغلب على مآزق العمل التاريخي العريض بالتركيز على وحدة واحدة من التحليل (مدخل لترجمة الشخص) في ضربٍ أدبيٍّ فريد (المعجم الخاص بالتراجم الشخصية) الذي شاع في الثقافة الإسلامية من عصر تكوينها إلى الوقت الحاضر”.
ومن الواضح أن الكاتبة تركز على كتب التراجم وتستخرج منها تراجم النساء لتبرز صفات كل واحدة ممن تحدثت عنهن، وتبيّن جوانب من حياتها ودورها في مجتمعها كما وردت في ترجمتها الأصلية مع شيء من التحليل والتعليق.
وقد سارت في رصد حياة النساء ابتداءً من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنتقل في الفصل الثاني إلى جيل أعقب الصحابيات إلى التابعيات، ثم تفرد فصلاً لراويات العلم وهن اللاتي اشتغلن برواية الحديث الشريف، وكان لهن قبول وأخذن عن الرجال وأخذ الرجال عنهن، أو كما تقول هي نفسها: “تلقت المتحدثات والعالمات من الأجيال اللاحقة علمهن بشكل أساسي من الرجال ونقلنه إلى رجال كذلك”.
ثم تحدثت بعد ذلك عن النساء المتصوِّفات وتناقش المعلومات التي وردت عنهن، ثم تنتهي لفصل أخير وهو السادس لتستعرض أدوار النساء في المجموعات التاريخية والمعاصرة إضافة إلى الجوامع المتخصصة في مجال التراجم، وانتهت إلى استنتاجات تمثِّل ما خلصت إليه بعد دراسة معمَّقة خصَّتها بالنساء في كتب التراجم منذ ظهور هذا النوع من المؤلفات إلى العصر الحديث.
إن ما نتمناه أن يحظى هذا الكتاب بمراجعات علمية تظهر ما احتوى عليه من آراء واستنتاجات ومدى دقة معلوماته، ولا شك أن المترجم الدكتور عبد الله العسكر يستحق الشكر على عمله هذا الذي صاغه بأسلوب سلس وجميل، وجعل منه كتاباً عربياً في روحه ومحتواه، رغم أنه نقله عن لغة أجنبية وهو أمر يحمد له.