قرأت المقال المعنون: بـ(تعنيف الضعفة: الأسباب، العلاج) لكاتبه الأخ سلمان بن محمد العُمري، المنشور يوم الجمعة 10-5-1434هـ.
ولا شك أن أعظم ألفة وسكن بين الزوجين هي هذه العلاقة المطلوبة بين الزوجين كما صورها القرآن الكريم، لو عقلها واستشعرها الزوجان لكان ورود العنف في حياتهما شيئاً مستحيلاً، ولأصبح ظلال الود والسكن والرحمة هو أصل هذه الحياة الزوجية، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم، قال ابن كثير (فلا ألفة أعظم مما بين الزوجين، ولهذا ذكر الله تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه). نعم هذه أعظم ألفة، فمن أين يأتي العنف إلى مثل هذه الألفة؟ فإذا وقع الشقاق بين الزوجين كان الحكم بالتدرج وحسب ما تقتضيه المصلحة حتى يندفع العنف فيما بينهما.
إن عدم التزام الزوجين أحدهما أو كلاهما بأداء الحق الذي عليه تجاه الآخر سبب للعنف، سواء كانت تلك الحقوق مادية أو معنوية، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228) سورة البقرة. بل من الجمال والإحسان في هذه العلاقة عدم إظهار الكراهية في تأدية الحق أو التماطل فيه مما يُعَدّ قصوراً، فما الحال بمن ترك تأدية الحقوق أصلاً؟! ألا يُعَدّ ذلك عنفاً منهياً عنه؟!
بل وفي هذا معنى آخر يضيف على الحياة الزوجية الأنس في حال تأدية الحقوق الزوجية، وهو أن يكون حالهما في تأدية هذه الحقوق البشر والطلاقة وعدم المنة والأذى، فمن أين يجد العنف مدخلاً إليها؟! بل يتعدى الأمر ذلك إلى أبعد منه حين يخشى أحدهما أن يستوفي كامل ماله لئلا يلزمه جميع ما عليه كما فهم ذلك صحابة رسول الله.
وحين تستوفى الحقوق بكل أشكالها ومعانيها، وتكون صادرة عن حب وبحب وود وألفة ستستقر الأنفس ولن يدخل العنف في مثل هذه الحياة الزوجية.
وسبق وبيّنا أن الله تعالى خلق حواء من آدم، وأن وجودها الأول كان مستنداً إلى وجود الرجل وفرعاً منه.
قال الشنقيطي: (وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وقد جاء الشرع الكريم المنزل من الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قائماً عليها وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} (34) سورة النساء، وكون القوامة بيد الرجل فله تأديبها ووعظها للتأديب لا للتشفي والانتقام منها، وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز، ووجوب طاعتها له في غير معصية، فإن لم يُجد ذلك هجرها في فراشها أو الحديث معها في البيت، ولا يتعدى ذلك خارج البيت، ومدة الهجر لا تزيد على ثلاثة أيام، فإن لم ينفع ذلك معها جاز أن يضربها ضرباً غير مبرح بسواك أو منديل ملفوف؛ لا بسوط ولا بعصى أو نحوه، والسواك كما لا يخفى دقيق وقصير، طوله غالباً طول القلم.
كما أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته إن استدعى الأمر ذلك أمام أطفالها أو غيرهم، لكون ذلك زيادة في التأديب لم يأذن بها الشارع، تنجم عن ذلك أمور لا تحمد عقباها، ولا يضرب في حال الغضب، ولو وقع وجود ما يستدعي ذلك لكونه والحال هذه سيتجاوز الحد المأذون به.
والتأديب متى ما كان في الحدود الشرعية ينفع، ولا يصح تسميته عنفاً أسرياً، ومع ذلك كله نقول: إن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل إبقاء للمودة، وقال ابن جحر: (فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ويحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره، فيما يجب عليها في طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما كان الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله).
ومن تأمل الواقع في العالم أجمع يجد ظلماً ظاهراً من القوي للضعيف، ومتى فقد التقوى من العباد انتشر الظلم، والزوجة التي يريدها الزوج سكناً له لابد أن يحافظ على سكنه كي لا يفقده، والعنف أحد معاول هدم هذا السكن، فاتقوا الله في المرأة واستوصوا بالنساء خيراً.
د. ابتسام بنت بدر عوض الجابري - أستاذ مشارك ووكيلة الدراسات العليا في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى