|
الجزيرة - محمد السهلي:
قيمة صناعة الوقف الإسلامية تقدر بـ1 تريليون دولار، ومع هذا فإن معظم هذه الأصول تُدار بطريقة ضعيفة؛ الأمر الذي يؤدي إلى مكاسب ضئيلة؛ فصناعة الأوقاف تفتقر لوجود جهة مهنية ذات خلفية مصرفية تقوم على تقييم مجال الأوقاف كحقل للاستثمار، من خلال الوقوف على واقعه وتشخيصه بدقة.
ناشد مصرفي أمريكي خبير في المالية الإسلامية صناعة المال أن تلتفت لإمكانيات النمو الهائلة التي تكتنفها الأوقاف الإسلامية, واصفاً إياها بالأسواق الضخمة «التي لا يمكن تجاهلها بعد الآن». وقال لرويترز جون ساندويك, المدير العام لشركة «صفا لخدمات الاستثمار»: إن مديري الأصول التقليديين قد أمضوا معظم وقتهم وهم يبيعون المشتقات المالية ومنتجات صناديق التحوط، وذلك بدلاً من أن يخصصوا جزءاً من وقتهم لإيقاظ «العملاق» النائم.
ويرى مراقبون أن صناعة المال الإسلامية وحتى التقليدية قد تجاهلت الانتباه لصناعة الأوقاف لعقود طويلة. ويراهن البعض في الصناعة أن الوقت قد حان لإيقاظ عملاق الأوقاف النائم الذي يملك المواصفات لقلب موازين القوى بالصناعة المصرفية. فالاستثمار في مجال الأوقاف لم يجد حظه كغيره من مجالات الاستثمارات الأخرى في العالم الإسلامي، في الوقت الذي يتشابه فيه معها في أسباب نجاحها وفشلها.
حجم السوق
وكانت «إيرنست آند يونق» قد قدرت قيمة الأوقاف العالمية بـ105 مليارات دولار، وذلك في مذكرة نشرتها في 2010. ومن الطبيعي أن تظهر أرقام متفاوتة هنا وهناك حول القيمة التقديرية لأصول الأوقاف الإسلامية، ولكن الأرجح أنها - بحسب مجلة «أي إف إن» الماليزية - تتعدى 1 تريليون دولار نظراً لضعف الجانب الإحصائي لحجم هذه الأوقاف، فضلاً عن تبعثر وتشتت هذه الصناعة.
وتعيش الأوقاف في الغرب حالة من التطور والنمو المستمر؛ الأمر الذي انعكس إيجاباً على مساهمته بشكل كبير في دفع الحياة العملية والاقتصادية والبحثية نحو التقدم؛ حيث تشير بعض الدراسات التي حصلت عليها «الجزيرة» إلى أن حجم الوقف الخاص بالجامعات الأمريكية فقط قد تجاوز 294 مليار دولار، في حين أن كل دولة مسلمة لا تعرف حجم أوقافها بشكل رسمي. وإن ظهر شيء في الإعلام فإنه يكون مرتكزاً على استنتاجات واجتهادات. في حين بلغت قيمة 28 وقفاً، أقامه أثرى أثرياء العالم، 279 مليار دولار. هذه النسبة الضئيلة من الأوقاف من الغرب التي تم إحصاؤها على عجل تعني أننا نتحدث عما قيمته أكثر من نصف تريليون دولار (573 مليار دولار).
وقدر أحمد النجار عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة المصري الثروة الوقفية في مصر وحدها بنحو نصف تريليون جنيه (82.4 مليار دولار). وفي السعودية فإن مجلة «أي إف إن» الماليزية ترى أن قيمة الأوقاف تصل إلى 1 تريليون ريال سعودي. وفي ماليزيا تصل قيمة الأوقاف إلى 999.3 مليار رنجت.
أهمية الأوقاف
وتكمن أهمية الأوقاف بعد أن غمرت الطفرة النفطية منطقة الخليج؛ الأمر الذي انعكس على زيادة الأعمال الخيرية. وبلمحة سريعة على أوضاع الأوقاف في البلدان الإسلامية نجد أن الأوقاف تحظى بشعبية في بلدان مثل قطر والكويت والسعودية ولبنان ومصر وماليزيا. في حين أن تركيا تشهد طفرة في هذا القطاع بعد أن تم تعديل أنظمة الأوقاف في 1981؛ حيث تتنافس العائلات الثرية لإقامة الأوقاف التي تدعم القطاع التعليمي.
تحديات النمو
وترى «إيرنست آند يونق» أن مسألة النفاذ إلى صناعة الأوقاف من قِبل المؤسسات المالية تتطلب إيجاد حلول لبعض القضايا الشائكة في هذه الصناعة. إحدى القضايا تدور حول الحوكمة الصادقة لهذه الأوقاف وتصميم البنية التحتية العملية لهذه الأوقاف؛ حيث يتداول أن هناك مخاوف كثيرة في دول عدة حول سوء إدارة أموال الأوقاف، فضلاً عن عدم مناسبة أنظمة الحوكمة وعدم مواءمة الهيكلة التنظيمية لصناعة الأوقاف.
فعلى سبيل المثال, في ماليزيا يقوم المجلس الشرعي للفقهاء بمسؤولية إدارة أصول الأوقاف، وذلك من دون وجود حوكمة عامة. يقول الدكتور بحرودين ساين من جامعة «تيكنولوجي» الماليزية: «ستدر أصول الأوقاف دخلاً جيداً في حالة تم إدارتها بطريقة احترافية للاقتصاد الماليزي. ولكن للأسف تمت إناطة إدارة هذه الأوقاف إلى المجلس الشرعي، وهو غير قادر على إدارة هذه الأوقاف بطريقة فعالة (وذلك بسبب ضعف خبراتهم من حيث الاستثمار)».
وبحسب تقرير سابق نشرته «الجزيرة» السنة الماضية فقد ساهمت الكفاءات المحدودة القائمة وراء الأوقاف، فضلاً عن ضعف مواكبة الدعم المؤسسي، في تراجع صناعة الأوقاف في البلدان الإسلامية، وبدا واضحاً أن انعدام اندماج الصناعة المصرفية في إدارة الأوقاف الإسلامية قد لعب دوراً كبيراً في ذلك التراجع، حتى إدارة الأوقاف واستثماراتها لا تزال متركزة في قطاع واحد، وهو العقار، بالرغم من تقدم صناعة الصيرفة العالمية وتقديمها شرائح استثمارية متنوعة، تساهم في تنويع المخاطر في قطاعات متعددة بدلاً من تركزها في قطاع واحد. فعدم الاحترافية وضعف المهنية لعبا دوراً أساسياً في تأخير دمج صناعة الأوقاف مع القطاع المصرفي والشركات المتخصصة في إدارة الثروات.
المساجد السنغافورية
ورغم قلة أعداد المسلمين في سنغافورة إلا أنهم تمكنوا من استخدام الأوقاف لأغراض خيرية ودينية، كبناء المساجد؛ فهم يضربون مثالاً جيداً حول كيفية توكيل المصرفيين لإدارة أوقافهم. فالأوقاف هناك تتبع المجلس الشرعي، وهذا المجلس الإسلامي قام بإنشاء ذراع استثمارية له، وأطلق على الشركة اسم «واريس انفيسمنت». ومهمة هذه الشركة هي إدارة أصول الأوقاف وضمان تحقيق أعلى الإيرادات. وتشير البيانات القادمة من هناك إلى أنه بفضل الإدارة الحصيفة المهنية فإن قيمة أصول الأوقاف قد تضاعفت عشر مرات منذ افتتاح تلك الشركة، وهذا ما يحول تلك الدولة ذات الأقلية المسلمة إلى رائدة في إدارة الأوقاف بطريقة مهنية واستثمارية بحتة. وفي السنة الماضية قام المجلس الشرعي, الذي يملك تلك الشركة, بتوزيع هبات أوقافية بقيمة 2.5 مليون دولار، ذهب أكثر من نصفها لتمويل بناء المساجد.