|
تحقيق - راشد الزهراني:
إذا كانت مهنة التعليم ليست محل جدل من حيث قيمتها العلمية والأخلاقية والأدبية وعلاقتها بعملية التنشئة وغرس المفاهيم والقيم، فإن الجدل الفعلي هو ذلك الذي ارتبط بأحقية ممارسي هذه المهنة وجدارتهم بحمل رسالتها، الأمر الذي دفع مجلس الشورى للعمل باتجاه نظام يقضي باشتراط منح رخصة لمزاولة التدريس، وبحسب شروط هذا النظام فإن الشهادة الجامعية لن تعود مؤهلة لتعيين حاملها في سلك التعليم العام، بل لن يستطيع حملة البكالوريوس» التربوي»الالتحاق بالتدريس ما لم يحصلوا على رخصة المعلم والمشروطة بالحصول على البكالوريوس التربوي أو الدبلوم العام في التربية بعد البكالوريوس لغير المتخصصين التربويين، واجتياز المقابلة الشخصية والمهنية واختبار الكفايات المعتمد من وزارة التربية، بجانب الفحص الطبي الشامل الذي يثبت خلو المعلم أو المعلمة من الأمراض العضوية والنفسية وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، إضافة إلى الإلمام بالحاسب الآلي، وأخيراً التسجيل في الجمعية السعودية للمعلمين.
لطالما دار السؤال حول سعي الوزارة إلى تطوير المناهج الذي لم يرافقه تطوير لمعلمي هذه المناهج ، ولماذا لا يبقى المعلم تحت التدريب لمدة عام بحيث تقيم صلاحيته إما لمهنة التعليم أو إلى العمل الإداري.. في هذا الاستطلاع نعرّج على كثير من الهموم والعوائق المتعلقة بهذا الشأن، أملاً في استخلاص ملاحظات تصب في حقل مهنة التعليم وصالح وزارة التربية والتعليم.
استحداث مسمى ( معلم تحت التدريب )
الدكتور محمد الحبيب استاذ جامعي يقول إن فكرة وضع معلم تحت التدريب موجودة ولكنها غير مطبقة بل مهملة لأسباب توسع مجال التوظيف في حقل التعليم، فكل عام - والكلام للحبيب - يتم تعيين أكثر من 40 ألف معلم على مستوى المملكة ومن بين هؤلاء نسبة كبيرة يهدفون فقط إلى الراتب دون النظر في الرسالة العظيمة للتعليم، وقد أثرت هذه النوعية من المعلمين على البقية من حيث التساهل بأمانة المهنة، بل إن اختبارات القدرات التي أجرتها الوزارة كشفت نسبة كبيرة من المعلمين الذين لم يجتازوها، يضيف» الوضع جدا حرج وينبغي ان تتضافر الجهود من قبل وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم وكذلك التعليم العالي بإعادة النظر في تعيين المعلمين واستحداث مسمى (معلم تحت التدريب) كما هو معمول في الجامعات عندما يعين معيد جامعي يبقى عاما كاملا تحت التدريب.
كادر التعليم يعيش حالة من التخلخل
على نحو من الإحباط الذي لا ينقصه اقتراح الحلول، يرى الأستاذ عبد الرحمن الازرقي المشرف العام على مدارس الأبناء قائلاً على الرغم من مساعي وزارة التربية والتعليم في تطوير المناهج بما يواكب العصر إلا أن كادر التعليم يعيش حالة من التخلخل بسبب ضعف فئة من المعلمين حديثي التعيين وذلك لضعف الرقابة والتوجيه وكذلك وساطة المحسوبية التي تعيق مجريات الحركة التعليمية، فمنذ تعيين المعلم من قبل وزارة الخدمة المدنية ترفع يدها عنه ثم تكمل وزارة التربية والتعليم زمام الأمور وحال فشله يكون اللوم على وزارة التربية بينما الوزارتان شريكتا في هذه القضية . فلماذا لا يكون هناك مسمى (معلم تحت التدريب) في بداية تعيينه ولمدة عام كامل بنصف راتب كمكافأة، بعدها يقيّم من قبل لجان تحددها الدولة ممثلة في مدير المدرسة التي يعمل بها ومن قبل المشرفين المتابعين له وكذلك ممثلين من وزارة الخدمة المدنية لتحديد مستواه، فإما أن يستمر في التدريس أو يحال إلى العمل الإداري أو يعطى فرصة أخرى تحت التدريب بعدها ترفع أوراقه لترسيمه في وظيفته مع إيجاد حوافز تشجيعية لمن يجتاز النجاح . وبهذا يستفيد المعلم من تقييم نفسه وصناعة مبدئه في مسيرته التعليمية وأيضا تنمية النهضة التعليمية بكوادر محنكة تقنيا وفنيا وإداريا.
ربط وزارتي الخدمة المدنية والتعليم
الأستاذ عبد الله هلال الغامدي مدير مدرسة ثانوية بجدة بدوره لم ينفِ اهتمام وزارة التربية والتعليم بتطوير المناهج ولكنه يأخذ عليها ما وصفه بإغفال جانب تطوير المعلمين والمعلمات بما يواكب هذا التطوير، يعلق « نجد الكثير من المعلمين يقفون حائرين عند بعض المسائل والدروس الحسابية، كنا نفتش على بعض المدارس فنكتشف أن نسبة من المعلمين لا يهتمون بمسألة التحضير كما أن البعض غير متمكنين من تدريس موادهم أو لا يدركون إيصال المعلومة بالطريقة التي تساعد الطلاب على الفهم وعند ومساءلتهم يضعون اللوم على عاتق الطلاب».
ويقترح الغامدي بأن يكون هناك ربط إداري ما بين وزارتي الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم لتتولى مهام التقييم على أن ينشأ إدارة مستقلة ومحايدة يعين فيها من ذوي الخبرة العالية وتعطى صلاحيات كاملة في إجازة صلاحية المعلم من عدمه وذلك لتسهيل عملية التعين والتوظيف أو سحب علاوة التدريس من المعلم غير الكفء.
تدريب المعلم في خدمة الحركة التعليمية
الأستاذ فهد محمد الاسمري المشرف التربوي للأنشطة الطلابية بإدارة الثقافة والتعليم بالقوات المسلحة يقول ان فكرة تدريب المعلم بـ»الناجحة جدا» وتوقع أن تخدم الحركة التعليمية بشكل أفضل مما هو عليه الحال الآن، ويضيف «عندما تعينت في حقل التعليم كانت هناك سنة تسمى السنة التجريبية، بعدها يحدد العمل في مجال التدريس أو يحول للعمل الإداري وقد نجحت هذه الخطة إلا أنه ومع مرور الزمن تقاعس النظام وغض البصر عن هذه الأمور كما دخلت الوساطة والمحسوبية وزيادة الطلب مع انتشار المدارس فأصبحت الجامعات تخرّج أعدادا هائلة من المعلمين ووزارة الخدمة المدنية تعينهم، ووزارة التعليم توزعهم، وتنامت الغفلة عن الجانب الرقابي لهؤلاء المعلمين فكثرت مشكلاتهم بل وأصبح هناك معلمون غير متمكنين من تدريس موادهم وآخرون يغلبهم جانب الاستخفاف بمهمة الرسالة النبيلة لذلك أؤيد فكرة معلم تحت التدريب للمصلحة العامة».
الكفاية والقياس يحددان جدارة المعلم
الأمر لا يرقى إلى وصف المشكلة، هذا ما يمكن استشفافه من رد الجهة المسؤولة والممثلة في الأستاذ عبد الله الثقفي مدير إدارة التربية والتعليم بمحافظة جدة حيث قال «نحن لا نستغني عن اختبار الكفاية والقياس فجميع المعلمين يخضعون للتقييم من أول عام يباشرون فيه مهامهم، إما عن طريق المشرف التربوي أو عن طريق مدير المدرسة من خلال نموذج تقويم الأداء الوظيفي، وفي كلتا الحالتين يقرر مدى صلاحية المعلم وأدائه وما اختبار الكفاية والقياس إلا إحدى الوسائل المهمة لتحديد مدى جدارة المعلم قبل انخراطه في مهنته «
الثقفي أكد أنه في حال وجود أي ملاحظة على كفاءة المعلم يتم التأكد من ذلك عن طريق تقارير المشرفين ومدير المدرسة وفي حال ثبوتها يتم قياس أداء المعلم وتحديد جوانب القصور أو الضعف ثم تقدر الاحتياجات التدريبية للمعلم التي تساعده على تطوير أدائه والرفع من قدراته.
اعتماد رتب المعلمين والترخيص للتدريس
الاستاذ خالد الوسيدي مدير إدارة التربية والتعليم المساعد بالمدينة المنورة، ومن الجانب المسؤول في القضية أيضا، يقول
إن وزارة التربية والتعليم تلجأ إلى توفير التدريب التربوي للمعلمين لسد فجوة الإعداد التربوي، وقد تبنى مشروع « تطوير « هذا التوجه حينما استهدف إعادة تأهيل المعلمين لرفع كفاءتهم بما يتلاءم مع تطلعات وزارة التربية والتعليم لتحقيق مهارات الألفية الجديدة ومتطلبات مجتمع المعرفة، لكنه يعتقد أنه وعلى الرغم مما يبذل في هذا المجال تظل الحاجة ماسة إلى تكثيف التدريب للمعلمين ليتمكنوا من امتلاك مهارات التدريس الفعال واستراتيجيات التدريس المعاصرة والمستقبلية، فالتربية والتعليم في تطور مستمر واستراتيجيات التعليم والتعلم كذلك، والهدف يتجه نحو المدرسة كمنطلق للتطوير التربوي ومكاناً لإعادة تأهيل المعلمين بتوطين الإشراف التربوي والتدريب فيها، ولذلك فنحن في الحاضر وفي المستقبل نحتاج إلى مدرسة متعلمة متفاعلة ومدربة وتتولى تدريب المعلمين للوفاء بمتطلبات المرحلة ومتطلبات المستقبل، ولعلي ممن يؤيدون اعتماد رتب المعلمين والترخيص للتدريس واعتماد المعايير العلمية في ترقية المعلمين بناء على النماء المهني والتدريب.
توطين الإعداد التربوي يغني عن التدريب
يرى الوسيدي أنه إذا ما طبقت هذه الحاجة التربوية فستغني عن العمل تحت التدريب، مشيرا إلى أن السنة التجريبية مضمنة في نظام الخدمة المدنية أصلا ويتم العمل بها حاليًا، إلا أن التحديات المعاصرة والمستقبلة تقتضي التعاون بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي من أجل إعداد المعلمين لمتطلبات المستقبل.
ويضيف « لا ننكر أن من بين نصف مليون معلم ومعلمة في المملكة مئات من المعلمين والمعلمات لا يصلحون للاضطلاع برسالة التربية والتعليم وهؤلاء ممن أقدم على مهنة التدريس من أجل الخروج من نفق البطالة لا برغبة واثقة في إحداث التغيير المنشود، وهم في النظام المدني يقوّمون أثناء الخدمة ومن لم يثبت صلاحيتهم لمهنة التدريس يحالون إلى الأعمال الإدارية المساندة، وقد اعتمدت وزارة التربية والتعليم منذ أعوام تطبيق اختبارات الكفايات على كل المتقدمين على وظائف التدريس التي يشرف عليها مركز قياس كما يتم مقابلة جميع المتقدمين من قبل لجان متخصصة في بعض إدارات التربية والتعليم، وذلك من أجل ضمان امتلاك المتقدمين للتعليم المهارات المطلوبة ، وهو إجراء مطلوب قد يقلل من نسبة وجود معلمين أو معلمات لا يصلحون لمهنة التعليم، وهذه الإجراءات لم تطبق على المعلمين الملتحقين بالتدريس قبلها وفي ظل عدم الدقة والمعيارية في تطبيقات تقويم الأداء الوظيفي بقيت بعض الحالات التي ينطبق عليها عدم الصلاحية لكنها في حدود علمي قليلة، ويمكن للمدرسة بالتعاون مع الأسرة اكتشاف هذه الحالات والعمل على علاج ما يترتب عليها في تحصيل الناشئة بتكثيف برامج التعزيز والعلاج والإثراء في مراكز الخدمات التربوية التي تنتشر في جميع إدارات التربية والتعليم بالمملكة».
التنازل عن بعض المعايير لتغطية العجز
الوسيدي أكد أهمية أن تبنى خطط مؤسسات الإعداد للمعلمين على متطلبات وزارة التربية والتعليم في المستقبل من حيث العدد والتخصص والمهارات المطلوبة، حتى لا تتكرر مشكلة توافر أعداد تزيد عن الطلب والحاجة في بعض التخصصات بينما يستمر العجز في البعض الآخر، وفي عدم اجتياز كثير من المتقدمين للتدريس لاختبار الكفايات مما يستدعي وزارة التربية والتعليم للتنازل عن بعض المعايير لتغطية العجز في المدارس، خاتما بقوله» آمل أن تتمكن الوزارتان من استكمال جهودهما في هذا المجال بما يضمن التوافق والتنسيق وتوفير المطلوب وفق المعايير المأمولة».