من يستمع إلى حديث البعْض عن أمننا الغذائي يظن أننا نعيش في بنغلاديش أو تشاد وليس في أكبر بلد منتج للنفط في العالم، ما يؤكِّد أن هناك استيعابًا غير صائب لحقيقة المشكلة الغذائيَّة التي تواجهنا. فالمشكلة ليست نقصًا في الغذاء المتاح في السُّوق العالميَّة تجعلنا بحاجة إلى إنتاج ما نحتاجه منه، وإنما ارتفاع عالمي في أسعار السلع الغذائيَّة لم يواكبه ارتفاع مماثل في مستويات الدخل العائلي في المملكة. لذا فإنَّ التدخل الحكومي في الإنتاج الزراعي الخارجي لا يمكن أن يحلَّ هذه الإشكالية، فليس من المتوقع أن يقوم أيّ مستثمر، مهما قدمنا له من دعم، أن يبيع لنا إنتاجه بسعر يقل بسنت واحد عن السعر العالمي لسلعته، وإنتاجنا من أيّ سلعة لن يكون من الضخامة بحيث يمكن أن نتصوَّر أن هذا الإنتاج سيتسبب في فائض في المعروض من هذه السِّلعة بحيث ينخفض سعرها العالمي.
من، ثمَّ فإنَّ استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال يجب ألا تكون وسيلة للحصول على دعم الدولة، ويجب أن تكون مبنية فقط على أسس تجاريَّة بحتة دون حشر موضوع أمننا الغذائي فيها للحصول على دعم حكومي.
والحقيقة أن أفضل وسيلة لتحقيق أمننا الغذائي ليس في دعم الاستثمار الزراعي خارجيًّا وإنما في حلِّ المشكلة الحقيقية التي نواجهها وهي عجز مستويات الدخل العائلي عن مواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة، فسنغافورة تستورد نسبة أكبر من حاجاتها الغذائيَّة من الخارج، بل حتَّى مياه شربها تستوردها من ماليزيا، ومع ذلك لا أحد يتحدث عن أن لديها مشكلة أمن غذائي، فتحقيقها لمعدَّلات نموٍّ في الدخل الفردي تفوق معدلات التضخَّم على مدى عدَّة عقود، رفع مستويات المعيشة وزاد من قدرة أفراد المجتمع على مواجهة أزمة ارتفاع تكاليف الغذاء.
من، ثمَّ فإننا الآن أحوج ما نكون إلى تشخيص واستيعاب أفضل لمشكلاتنا الاقتصاديَّة بما في ذلك مشكلة الأمن الغذائي، التي يمكن حلّها فقط من خلال تحقيق اعتماد أكبر على العمالة المواطنة يرفع معدلات الدخل العائلي ويحدّ من تحويلات العمالة الوافدة إلى بلدانها التي تمثِّل استنزافًا هائلاً لاقتصادنا الوطني ويزيد من مضاعفة الإنفاق الحكومي في الاقتصاد الوطني ما يجعل له تأثيرًا إيجابيًّا أكبر في معدَّلات النموِّ الاقتصادي. كما أننا بحاجة إلى اتباع سياسات محفزة على الادخار وليس على الاستهلاك ما يسهم في تحسين مستويات المعيشة ويزيد من معدلات الإنفاق الاستثماري ويرفع بالتالي من معدَّلات النموِّ الاقتصادي، فكون معظم السلع التي نستهلكها مستوردة يعني أن سياسات تشجيع الاستهلاك كسياسات دعم أسعار السلع الغذائيَّة أو السياسات المؤدِّية إلى التوسُّع في القروض الشخصيَّة الاستهلاكيَّة جميعها سلبية التأثير يترتَّب عليها زيادة غير طبيعيَّة في معدلات استيراد السلع الاستهلاكيَّة وإسراف في الاستهلاك وانخفاض في الدخل الممكن التصرف فيه لسنوات عديدة قادمة.
وعلينا أن نتوقع أننا سنواجه صعوبة أكبر مستقبلاً في ضمان أمننا الغذائي، ليس بسبب أننا لا ننتج حاجتنا من الغذاء، وإنما بسبب استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائيَّة في السُّوق العالميَّة بنسب تفوق نسب تحسن معدلات الدخل العائلي، وهي المشكلة التي تستدعي منَّا بذل كل جهد ممكن لتصحح أوضاعنا الاقتصاديَّة لا أن يحتال علينا أحد بالقول: إن الحلِّ في دعم استثماراته الزراعيَّة في الخارج.
alsultan11@gmail.comأكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam