عندما فرغ الرئيس الأمريكي من خطابه في قاعة مبنى الأمة في اورشليم القدس الخميس الفائت، قال معلق الأخبار في قناة سي إن إن: إن أوباما قدم خطابا تاريخيا يشبه خطابات التنصيب أو خطاب حالة الاتحاد التي يقدم فيه الرئيس برنامج فريقه وقواعد السياسة الأمريكية ومنهجها العام.
والحقيقة إن أوباما فصيح لدرجة تجعلك تستمتع باللغة الإنجليزية التي يستخدمها بمهارة عالية،-ولا عزاء للترجمة!-، وإضافة إلى خطاباته المصاغة بطريقة رائعة فإن الأفكار التي تحملها تأتي في سياق انسيابي عاطفي ومقنع للجمهور. وتلك إحدى أهم أبرز عضلات الرئيس الأمريكي الحالي.
قال أوباما: إنه يشعر من منطلق كونه صديقاً حقيقياً لإسرائيل, بأنه يتوجب عليه أن يؤكد للشعب في إسرائيل ضرورة التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين, وذلك من أجل ضمان بقاء الرؤية الصهيونية.
إن أولئك الذين يرفضون الاعتراف بوجود إسرائيل، يشبهون أولئك الذين يرفضون الاعتراف بوجود السماء والأرض”، وأضاف الرئيس “إنه يعلم علم اليقين بأن الإسرائيليين يرون أن أمنهم لم يصبح مضموناً, إلا أن إسرائيل لن تزول, وأن الولايات المتحدة ستقف دوماً إلى جانبها”.
وهذه حقيقة أو جملة حقائق علينا كعرب وسكان في هذا الجزء من العالم أن ندركها، إسرائيل حقيقة جغرافية الآن أحببنا ذلك أم لا، ولن يتمكن أحد بالحجارة أو صواريخ-التنك- من تغييرها، حقيقة تعني تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط برمته. وتعني ليس الاعتراف بهذا الوجود ولكن على أقل تقدير التعاطي معه كحقيقة ظاهرة وتاريخية أيضا.
وهو ما أعاد رئيس أقوى قوة في العالم تأكيده في مؤتمر صحفي: (إسرائيل هي أقوى دولة في المنطقة ولن تزول أبدا). وهي بالفعل أقوى وقوية بتفوقها العسكري، والعلمي والاقتصادي، كما السياسي، تفوق على كل الظواهر الصوتية حولها، حيث مصانع السلاح ومختبراته، ومختبرات تقنيات المعلومات والصحة وغيرها للشركات العالمية تنطلق من تل أبيب.
وفيما معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يزيد عن اثنين في الألف سنويًا من الدخل القومي، يبلغ في إسرائيل 8.1%، وفيما نصيب المواطن العربي من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولارًا سنويًا، يصل في إسرائيل إلى 2500 دولار سنويًا، وفي حين تأتي إسرائيل في المرتبة رقم 23 في دليل التنمية البشرية العالمي,-والذي يقيس مستويات الدخل والتعليم والصحة-، فإن مصر تحتل المرتبة رقم 199، وسوريا تحتل المرتبة 111 والأردن المرتبة 92 ولبنان المرتبة 82 وهي الدول العربية المحيطة بإسرائيل. فالتفوق الإسرائيلي مسجل أيضا لعدد براءات الاختراع ونسبة الصادرات التقنية العالية والصناعات الأمنية والطبية وغيرها.
وطبعا الجانب الاقتصادي الذي يتيح للمواطن اليهودي حياة كريمة تصل إلى الرفاهية، بمستوى متقدم في التأمين والرعاية. كما الأهم حيث الحقوق المدنية والقانونية والسياسية للمواطن اليهودي كائناً من كان.
نحن أمام كيان استطاع أن يبني في 60 عاما مستوى متقدماً من الحياة والإنتاج والتنمية الفعلية بشكل مذهل، ناهيك عن التفوق العسكري المضمون ونفوذ سياسي دولي هائل، وهي نفس العقود الستة التي انشغلنا فيها بالصراع مع الأحلام والصراخ وإعادة صياغة التخلف والمنافسة في شعاراته، قفزا على الواقع وحقائقه نحو الفراغ!