تتكاثر فطريات الفساد في البيئة المناسبة لها؛ حتى تبني لها عشاً لا يمكن أن يدخله أو يصعد عبر خيوطه الدقيقة وسلالمه إلا العناكب التي نسجت خيوطه أو شاركت في بنائه، إما بنسج الخيوط الرقيقة التي لا تكاد ترى، أو بالدعم المعنوي عن طريق الإشادة والمدائح وتضخيم إنجازات العنكوب الكبير، أو حتى بالدعم اللوجستي من بعيد لبعيد، والمعنى أنني جاهز وقت اللزوم، وأنا معك أيها العنكوب الكبير وقتما تشعر بحاجتك إلى خدماتي، أو وقتما أشعر أنا أن الوقت مناسب لتزفني إلى أعلى السلم بجرة قلم أتجاوز فيها درجاته العقيمة وعتباته العالية، وأكون أنا بجوارك وقريباً منك أحظى بنعيم رضاك وكريم منحك وسخاء عطائك أيها الكريم الطيب الذي لا يرد طلباً ولا يُرد له طلب!
هذا هو بيت العنكبوت المبني على وهم والذاهب إلى المجهول الكبير أو إلى عالم الوهم الخفي الخطير في ظاهره والصغير الحقير الساذج في باطنه!
سلالم ناعمة رقيقة من حرير هي تلك التي تتسلق عليها بعنف ولؤم وأنانية وبلاهة وأثرة طفيليات بيت العنكبوت!
تتشعبط العنكبوتة الصغيرة النابتة في عالم بكتيريا هذا البيت فتتقوى سنة بعد سنة بمناعة لا حدود لها لمقاومة كل سبل ووسائل الإصلاح وحملات الرش التي تدهم أحياناً هذا البيت؛ فلا يصيبها منها إلا رذاذات عابرة تنهض مناعتها البكتيرية المعتقة لمقاومتها، فتبقى صامدة على تقلب الأزمان وتغير الوزارات وتبدل وجوه الوزراء إلى أن تقفز إلى أعلى درجات السلم في غمضة عيون بلهاء متماسكة عبر الخيط الحريري وبخفية غريبة وحذر ذكي من منافسة العناكب الصغيرة الطامحة أو تلك العناكب الأخرى المزمنة التي فاتتها فرص القفز!
في بيئة ملوثة كهذه لا يمكن أبداً لكائن حي سليم خال من عدوى بكتيريا هذا البيت أن يعيش فيه؛ ستطرده الأجسام المضادة الملوثة وتنفيه إلى خارج محيطها؛ ليغدو المكان كله ملوثاً وخالياً من أي جسم صحيح لم تصبه عدوى الطفيليات!
سلالم الفساد يقود بعضهما إلى بعض، ووجوه الفساد يعرف بعضها بعضاً، إن لهم ملامح وسمات وخطوطاً ونكهات وابتسامات ورموزاً لا يعرفها الصالحون الطيبون المخلصون ولا يدركون ما يجمع بينهم من وشائج القربى وعلائق الصلة الحميمة التي كونتها العدوى!
سلالم لا تستقبل إلا من ختم عليه بعد الفحص الأولي بثبوت بكتيريا التلوث فيسمح له الحاجب بالدخول لينتظر في بادئ أمره في الدرجات العشر الأولى من السلم ويمكث سنوات يتلقى فيها الدروس ويستمع إلى لغة الخطاب ومفرداته؛ فإذا وعى ذلك كله واستيقنه وأظهر تمكنه منه دف دفاً وئيداً، ثم إذا رؤي أن العدوى قد تمكنت منه زف زفاً إلى أعلى درجات السلم؛ ليستبشر بصعوده وقفزته المحبون والمقربون والمستفيدون الطامعون من وصوله، وليجمع من حوله في احتفالية كبيرة صحبه وأقرانه ممن قد استوطنتهم البكتيريا عقوداً طويلة، ويتوسط القوم البكتيري الأكبر صاحب الفضل الأول في تصعيد وقفز تلاميذ بيته المعنكب، وتشتعل أضواء الكاميرات احتفالاً بعبقرية المقفز الفذة، وإشادة بما قدم، وتأكيداً لتأريخ طويل من الصبر والانتظار وتعلم الدروس والطاعة العمياء لكل العناكب الكبيرة التي مرت على هذا البيت وبنته من وهم وعمرت فيه ما عمرت حتى أزف قدرها فرحلت بعد أن قضت ما قضت تنسج الخيوط حول تلاميذها المخلصين وتغلق الأبواب والنوافذ بالأقفال الغليظة والستائر الثقيلة عن الغرباء والطارئين من الأصحاء!
بيئة طاردة حقاً كل قلب لم تستطع بيكتيريا المكان النفاذ إليه بقوة مناعته الذاتية، ومرحبة وراعية كل من ضعفت مناعته أو أن جهازه المناعي لم يتكون من حيث المبدأ أو أنه مارس المحرمات أكثر من مرة فهانت عليه نفسه وصحته الأخلاقية وما ينتظره من حساب وعقاب فلم يعد له مطمح إلا الوصول إلى روضة المحبين في قمة مجد سلم الترقي!
وإنه لمن لطيف المناسبة أن أفذلك القول في شخصية هذا الهزيل الذي فتكت به البكتيريا فصعد إلى أعلى سلم بيت العنكبوت؛ هي شخصية هزيلة ضعيفة مرتبكة، تراها جسورة مقدامة بتأثير دعم العناكب الكبيرة وما هي بذاك؛ هي والله أهون على نفسها وعلى الناس من طائر الرخ المهزوم، وتصور للناس من حولها أن لديها من الإمكانات والقدرات والمواهب العظيمة ما استحقت به القفزة تلو القفزة إلى أعلى السلم، وتوحي لمن يمعن النظر في ملامحها أنها تمتلئ بعلوم وأسرار لا يوحى بها من علية القوم إلا لمثلها، فهي - كما تصور وتدعي - قريبة جداً من أصحاب القرار ومحظية منهم بالرضا والقبول؛ والحق أن كل هذا ليس إلا ادعاءً وكذباً؛ فأصحاب القرار بعيدون عن محيط العنكبوت الداخلي، ولا يعلمون كيف نسج ولا كيف شبت ونبتت طفيلياته، ولا يأبهون كثيراً لمن يصعد أو يفر من ذلك البيت؛ فكل ما يدعيه هذا الطفيلي من تصنيم نفسه هو درس من دروس الفساد التي تلقاها باكراً منذ سنوات حضانته الأولى في هذه البيئة الملوثة.
وإنه ليحق لمن كتب الله له السلامة من تمكن داء بيت العنكبوت من نفسه أن يحمد الله على عظيم نعمه وكريم فضله أن وقاه الله شر الانخراط في طاعة أي عنكبوت أكبر يقود العناكب الصغيرة، وأن حماه الله من أن تنسج من حوله خيوطها الحريرية الخادعة القائمة على استنساخ رذائل النفس وطرد فضائلها.
moh.alowain@gmail.commALowein@