نتحدث دوما عن الولايات المتحدة كأقوى دولة عرفها التاريخ، وهي حقا كذلك، وكلمتها مسموعة، وعدا عن حالات نادرة، فإن ما تريده يتحقق رغما عن الجميع، وما زلنا نذكر واحدة من تلك الحالات النادرة، وذلك عندما فشلت -كما قيل حينها- عن استصدار قرار من مجلس الأمن يتيح لها ضرب العراق، وتدمير أسلحة الدمار الشامل في 2003!، ولكنها نفذت ما تريد على أي حال، رغما عن الأمم المتحدة، ورغما عن كل القوى العالمية، ولعلكم تعلمون أنه تبين لاحقاً أن ما جرى في مجلس الأمن حينها كان مسرحية محبوكة، حتى لا يقال إن كل القوى الغربية ساهمت في تدمير بلد مسلم، إذ إن فرنسا وألمانيا -كما تسرب لاحقا- ساهمتا في المجهود الحربي!، فهل هناك من يستطيع أن يكسر الإرادة الأمريكية؟!
نعم، إنها إسرائيل، وعلى الرغم من يقيننا أن هناك مصالح مشتركة بين البلدين، ومع أن كثيرا من المحللين الأمريكيين يرددون بأنه بإمكان الولايات المتحدة إيقاف إسرائيل عند حدها متى كان هناك تضارب في المصالح، إلا أن الواقع يقول غير ذلك للأسف الشديد، فلا يوجد سياسي أمريكي يجرؤ على انتقادها، ناهيك عن أن يتخذ قرارا ضد ما تريد، وذلك ببساطة، لأنه لا يمكن أن يتم انتخاب أي مواطن أمريكي -بدءاً من عمداء المدن، وانتهاء بالرئيس، مرورا بحكام الولايات وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب- ما لم تختم منظمة ايباك وملحقاتها شهادة حسن سيرته وسلوكه، وهذا لم يعد سرا، فقد صرح به كثيرون، عندما لم تعد كلماتهم ذات قيمة، أي بعد ما خسروا مناصبهم، أو أحيلوا إلى التقاعد، فهل من جديد في الموقف الأمريكي الحالي حيال القضية الفلسطينية؟!
لا جديد، فهل لاحظتم فارقا بين تصريحات أوباما قبل أيام، وتصريحات أسلافه على مدى عقود؟ وقد كنت أتعجب عندما كان بعض المحسوبين على التحليل السياسي يرددون بأن أوباما سيكون في حل من أمره، في حال تم انتخابه لفترة رئاسية ثانية، دون إدراك منهم بأن إسرائيل خط أحمر، لا يمكن أن يجرؤ أي رئيس أمريكي أن يتخطاه تحت أي ظرف، إذ عندما يتعلق الأمر بها فإن الموقف الأمريكي معها على الدوام، مهما كانت مخطئة أو ظالمة، بل إن الأمر يصل إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن، ودون تحفظ، ولعله لا يخفى عليكم عدد المرات التي استخدمت فيها الفيتو خلال الثلاثة العقود الماضية فقط، فهل يسبب هذا حرجا لأمريكا ومسؤوليها؟!
نعم، إنه يسبب الكثير من الحرج، ولكنهم لا يستطيعون فعل أي شيء حياله، وقد تجرأ بوش الأب ذات زمن بعيد في عام 1991، وكانت نتيجة ذلك وخيمة عليه، إذ خسر معركة إعادة الانتخابات عام 1992، في فصل مسرحي طويل، كتب بدايته الإعلامي اليهودي الشهير لاري كنج في برنامجه، وانتهى بإحالة بوش الأب إلى التقاعد مبكرا، رغم أنه الرئيس الذي أعاد لأمريكا اعتبارها العسكري بعد معركة تحرير الكويت، ما جعلها تتناسى هزيمتها المذلة في فيتنام، وقد وعى بوش الأب ذلك الدرس جيدا، ولقنه إلى ابنه جورج عندما تم انتخابه رئيسا في عام 2000!، وختاماً، نؤكد على أنه على الرغم من حالات الاحتقان والغضب من السيطرة الإسرائيلية المطلقة على سياسة أمريكا الخارجية في المجتمع الأمريكي، خصوصا مجتمع النخبة، إلا أننا لا نعتقد بأن شيئا ذا بال سيتغير على المدى القريب، وهذا موضوع يطول الحديث حوله.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2