عندما كانت العواصم العربيَّة من حولنا والعالميَّة البعيدة تختنق بالسكان وتعصف بها أزمة إسكان قادتها إلى عدم الاستقرار، وعندما كانت المسلسلات المصريَّة والسوريَّة والدراما العربيَّة والعالميَّة تتحدَّث عن أزمة الإسكان كنَّا نحن في السعوديَّة ننظر لها كمشكلة لدول تعيش في حيز مكاني ضيق، إما بشريط ساحلي، أو مساحات تقطعها الأنهار، أو دول على شكل جزر ومناطق جبال..
كل هذه التبريرات والمشكلات انتقلت إلينا ونحن من الدول الكبرى في المساحة وأرضنا مسطحة ومنبسطة ومستوية وأقل سكانًا.
كانت لدينا صورة عن أنفسنا غريبة فيها من الاعتزاز والعظمة والكبرياء والمزيد من النرجسية بأننا قادرون على حلِّ مشكلاتنا (متى شئنا) ومتى أراد صاحب قرار... وبأن المخطط قادرٌ على إيجاد الحلول السَّريعة والناجعة واتِّخاذ القرار الفاعل في الوقت المناسب، وأن الحلول تتوَّقف على رغبة صاحب القرار، وكذلك أن مشكلاتنا تحل بالأموال، هكذا كنَّا ومازلنا نفكر، واليوم تحاصرنا مشكلة الإسكان كقضية حقيقية وحاضرة بحرارة بِكلِّ تجسيدها وثقلها وتحوَّلت إلى كرة ثلج ضخمة تتدحرج وتحرج جميع الجهات التخطيطيّة والتنفيذيَّة...
في أواخر السبعينات الميلادية استعانت وزارة الأشغال والإسكان بالشركات الكورية والأجنبية لبناء مساكن على شكل فلل من دور ونصف، وفلل من دورين وشقق وكانت الوزارة والمواطن ينظر إلى هذه المشروعات على أنَّها مؤقتة أو مشروعات أولية تهيئة لمشروعات كبرى ستشهدها المملكة إلى جانب صندوق التنمية العقارية، لكننا اضطررنا إلى تغيير معظم خططنا العمرانية بعد أن أصبحنا داخل تأثير حرب الخليج الأولى العراق وإيران، وحرب الخليج الثانية اجتياح وتحرير الكويت، وحرب الخليج الثالثة غزو العراق وما تلا ذلك من أحداث معها دخلت المملكة بمرحلة (شد الحزام) الذي ابقي على شده حتَّى الآن رغم التغيِّرات التي طرأت من انتهاء حروب الخليج وتحسن عائدات النفط والتحسُّن الاقتصادي والتطوّر المعرفي والتَّقني والحضاري لبلادنا.
أزمة الإسكان أهملها المخطط منذ السبعينات الميلادية لاعتقاده أنّه قادر على حلها حتَّى وصلنا إلى مرحلة الأزمة الحقيقية التي يمكن توريثها للأجيال القادمة.. الإسكان ليست هو قضية خيارات: فلل أو شقق ونظام البناء الصَّامت والمتشابك أو إسكان الضواحي المشكلة الآن هي أين الحلول القابلة للتطبيق وامتصاص مطالبات المجتمع وسد احتياج المواطن وما يقابله من ندرة الأراضي المفتعلة وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات المرتب لها من تجار الأراضي وعجز وزارة الإسكان عن إيجاد الحلول السَّريعة في بناء مدن الإسكان وخفض سعر الأراضي.
